في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، يبرز مجددًا الدور المثير للجدل الذي تلعبه حكومة الانقلاب المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي، خصوصًا في تعاملها مع الفلسطينيين في مقابل الانفتاح اللافت تجاه المصالح الإسرائيلية، سواء من بوابة الطاقة أو الأمن أو حتى التسهيلات اللوجستية عبر سيناء.

تُعد سيناء منطقة استراتيجية، حيث سمحت حكومة الانقلابي عبد الفتاح السيسي بفتحها بشكل محدود كملجأ لبعض الإسرائيليين، في حين تشددت بشدة على الفلسطينيين، خاصة سكان قطاع غزة المحاصر، هذا التفاوت في المعاملة يعكس سياسة مصرية تخدم الاحتلال الإسرائيلي، وتضع الفلسطينيين في حصار خانق، مما يزيد من معاناتهم الإنسانية.

 

فتح سيناء للصهاينة… وغلقها في وجه الفلسطينيين

خلال الشهور الأخيرة، تضاعفت التقارير التي تتحدث عن تعاون مصري إسرائيلي متزايد في شبه جزيرة سيناء، فقد كشف تقرير لموقع Middle East Eye  في مايو 2025 أن شركات أمنية إسرائيلية حصلت على موطئ قدم داخل سيناء عبر بوابة الاستثمارات اللوجستية والتجارية، تحت غطاء شركات إماراتية ومصرية مثل "مجموعة العرجاني"، التي يترأسها رجل الأعمال عصام العرجاني، أحد أبرز رجال الأعمال المرتبطين مباشرة بالأجهزة الأمنية المصرية.

في المقابل، يتعرض الفلسطينيون في غزة لحصار مشدد من الجهة المصرية، إذ أُغلقت معبر رفح بشكل متكرر منذ بدء الحرب الإسرائيلية في أكتوبر 2023، وفرضت قيودًا صارمة على دخول المساعدات الإنسانية، وهو ما أكده تقرير هيومن رايتس ووتش في فبراير 2024، حيث أشارت المنظمة إلى أن مصر "تتذرع بالوضع الأمني الداخلي لتقنين الحصار على غزة" بينما تستمر في تصدير الغاز والغذاء لإسرائيل بشكل منتظم.

 

وساطة كاذبة ودعم لوجستي لتل أبيب

رغم ما تدعيه القاهرة من لعب دور "وسيط نزيه"، فإن المعطيات الميدانية تناقض هذا الادعاء، ففي الوقت الذي كانت فيه القاهرة تستضيف مفاوضات وقف إطلاق النار في أبريل 2024، كانت تقارير استخباراتية غربية أبرزها تقرير لموقع Axios الأمريكي؛ تشير إلى استمرار تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر، بنسبة وصلت إلى 2.1 مليار متر مكعب خلال الربع الأول من 2024 وحده، بحسب بيانات وزارة البترول بحكومة الانقلاب المصري.

وعلى المستوى الغذائي، أكدت هيئة الإحصاء الإسرائيلية في نهاية 2023 أن أكثر من 30 %  من احتياجات السوق الإسرائيلي من الخضروات والفواكه تُستورد من مصر، في الوقت ذاته الذي يعاني فيه سكان غزة من نقص حاد في المواد الغذائية، حيث بلغت معدلات انعدام الأمن الغذائي وفق تقرير برنامج الغذاء العالمي الصادر في مارس 2024 نحو 85 %  من سكان القطاع.

 

شركات العرجاني.. بوابة للتطبيع وتصفية القضية

من بين أبرز الأسماء المثيرة للجدل في هذا السياق، تبرز "مجموعة العرجاني"، التي كُلفت بتنسيق دخول المساعدات إلى غزة، ولكنها في الوقت ذاته كانت بحسب تقارير إعلامية عربية وغربية، على رأس شبكات تجارية تنسق بين الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة الأمن المصرية، خصوصًا عبر معبر رفح.

تلعب شركات رجل الأعمال المصري إبراهيم العرجاني، المقرب من السلطة، دوراً محورياً في إدارة حركة الفلسطينيين عبر معبر رفح البري بين غزة ومصر.

شركة "هلا" التابعة له تحتكر خدمات العبور، وتفرض رسوماً باهظة تصل إلى 5000 دولار للفرد البالغ، ونصف هذا المبلغ للأطفال، مما يشكل عبئاً مادياً ضخماً على الفلسطينيين اليائسين.

كما تسيطر شركات العرجاني على دخول المساعدات والشاحنات التجارية إلى غزة، حيث تفرض رسوماً تفوق 20 ألف دولار على كل شاحنة، مما يعرقل وصول الإمدادات الضرورية للفلسطينيين ويزيد من الأزمة الإنسانية في القطاع.

ويُذكر أن هذه الشركات تحتكر عملياً النقل التجاري عبر معبر رفح، وتهمش دور الهلال الأحمر المصري، الذي كان المسؤول الأساسي عن إدارة المساعدات سابقاً.

ووفق تحليل نُشر بموقع العربي الجديد في يناير 2025، فإن العرجاني "ليس مجرد رجل أعمال، بل أداة بيد النظام لتوجيه الاقتصاد في سيناء بما يتوافق مع الأجندة الأمنية، سواء كانت تتعلق بإخضاع القبائل أو بتسهيل وجود استثمارات أجنبية مشبوهة".

 

السيسي يدعم الصهاينة ويخنق المقاومة

يصف الباحث السياسي الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، سياسة السيسي تجاه غزة بأنها "امتداد لوظيفة النظام كوكيل أمني للاحتلال في المنطقة"، مضيفًا في مقابلة له مع قناة "الشرق" في مارس 2025 أن "ما يقوم به النظام المصري من تضييق على الفلسطينيين ومنح التسهيلات للإسرائيليين هو خيانة للدور التاريخي لمصر".

أما الصحفي والمحلل عبد الله الشامي، فقد كتب في مقاله بموقع "نون بوست" أن "سيناء تتحول تدريجيًا إلى منطقة منزوعة السيادة تُستغل لمصالح الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرًا إلى تنامي مشاريع التطبيع الاقتصادي عبر شركات تتبع الأجهزة السيادية.

 

تداعيات استراتيجية على الأمن القومي المصري

يرى مراقبون أن هذا الانحياز المصري لإسرائيل يحمل مخاطر استراتيجية على المدى الطويل، إذ إنه يُغذي الغضب الشعبي، ويُضعف صورة مصر كوسيط إقليمي، ويؤسس لواقع جيوسياسي تتحول فيه سيناء من عمق استراتيجي للأمن القومي المصري إلى منصة مصالح أجنبية.

في هذا السياق، يشير تقرير صادر عن مركز "كارنيغي للشرق الأوسط" في أبريل 2025 إلى أن "تآكل السيادة المصرية على سيناء، وتداخل الاستثمارات الإسرائيلية-الإماراتية، قد يهدد مستقبل الاستقرار في الإقليم، خصوصًا مع عودة نشاط بعض الجماعات المسلحة في المناطق المهملة تنمويًا".

 

انقلاب في الأدوار وتواطؤ مع الاحتلال

ما يجري ليس مجرد إخفاق سياسي أو سوء تقدير، بل هو نهج منظم لتصفية الدور المصري التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، وفتح الأبواب أمام المشروع الصهيوني في سيناء تحت غطاء الاقتصاد والتعاون الأمني، وفي الوقت الذي يُمنع فيه الجريح الفلسطيني من دخول المستشفيات المصرية، تمر الشحنات التجارية من الغاز والفاكهة إلى ميناء أسدود دون عوائق، وبينما تئن غزة تحت الحصار والقصف، تواصل حكومة السيسي أداء دور "الوسيط" بشروط الاحتلال.