في وقت أعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن اغتيال المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي من شأنه أن "يضع حدا للنزاع" بين الجانبين، حيث أن الاستراتيجيّة التي تتّبعها القيادة السياسيّة والعسكريّة في دولة الاحتلال مُنذ سنوات، تتلخّص في التّركيز على سلاح الاغتيالات اعتمادًا على أجهزةٍ استخباريّةٍ ضاربة، ومُتقدّمة جدًّا، على الصّعيدين البشريّ والتقنيّ، بهدف كسب الحرب معنويًّا، وزعزعة ثقة العدوّ بنفسه، فهل يكون ذلك طوق نجاة الإسرائيليين لما يتعرضون له من هلع وموت وخوف وتدمير.

وأجاب بنيامين نتنياهو حين سُئل عن تقارير أفادت بأن دونالد ترامب عارض خطة إسرائيلية لاغتيال خامنئي خشية أن تتفاقم المواجهة بالقول إن "هذا لن يؤدي إلى تصعيد النزاع، بل سيضع حدا للنزاع".

كما اعتبر بأن نظرة الإيرانيين لحكومتهم قد تغيرت، معتبرا أنهم رأوا أنها "أضعف بكثير مما كانوا يعتقدون"، و بأن "تصفية خامنئي من شأنها إنهاء الصراع".
 

مصير صدام حسين
   
هذا، و حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي، المرشد الأعلى الإيراني من أنه قد يلقى مصيرا "مماثلا" للرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وقال يسرائيل كاتس في هذا الشأن: "أحذر الديكتاتور الإيراني من الاستمرار في ارتكاب جرائم الحرب وإطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين. ينبغي عليه (خامنئي) أن يتذكر ما حدث للديكتاتور في الدولة المجاورة لإيران (العراق) الذي سلك الطريق نفسه ضد دولة إسرائيل". ونوه أن "يد إسرائيل الطولى ستصل إلى كل عدو وفي كل مكان".

وأعلنت تل أبيب الثلاثاء مقتل المسؤول العسكري الإيراني علي شادماني، قائد مقر خاتم الأنبياء المركزي. وقالت إنه "رئيس أركان الحرب في إيران وأعلى قائد عسكري والأكثر قربا إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي".
 

لماذا يصر نتنياهو على اغتيال خامنئي؟
   
نتنياهو، هرب من هزائمه في قطاع غزة وفشله في تحقيق أهدافه، إلى شن عُدوانه الحالي على إيران، ولتحويله أنظار العالم عن المجازر وحرب الإبادة التي ترتكبها قوّات جيشه في القطاع، وإفشال المُؤتمر الذي كان من المُفترض انعقاده بقيادة فرنسا والمملكة العربيّة السعوديّة في الأُمم المتحدة في نيويورك، للدّعوة إلى تطبيق حل الدّولتين كَحَدٍّ أدنى للقضيّة الفِلسطينيّة.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبدالباري عطوان، إن السّيناريو نفسه قد يتكرّر الآن على شكلِ موجةِ اغتيالاتٍ جديدة يكون هدفها الأوّل السيّد خامنئي لرفع معنويّات الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة المُنهارة من جرّاء الرّد الإيرانيّ السّريع والمُفاجئ والمُؤثّر على العُدوان، وإطلاق مِئات الصّواريخ التي وصلت إلى العُمُق الإسرائيلي، ودمّرت جنوب تل أبيب ومُعظم حيفا، وأحرقت معهد حاييم وأيزمان التّكنولوجي الأكثر تقدّمًا في العالم، وإعلان الحرس الثوري الإيراني عن وصول صواريخه إلى مقر الموساد والمركز الاستخباري العسكري الإسرائيلي المعرف بـ”أمان” وتدميرهما بالكامل، وهذا إنجازٌ استخباريٌّ عظيم.

وتابع في مقال له هذا التّدمير للمركزين أكثر أهميّة وإيلامًا في رأينا من اغتيال قائد عسكري إيراني هُنا أو آخَر هُناك، ففي ظِل الرّقابة العسكريّة الشّرسة، ومنع بث أو نشر صُور وأعداد القتلى والجرحى وحجم الخسائر الماديّة الإسرائيليّة، تغيب الحقائق ويسامر الخداع ولكن إلى حين، وسيهدأ الغُبار ويبان ما تحته.

وأضاف أن السيّد علي خامنئي الذي يَبلُغ من العُمر 86 عامًا، ونجا أكثر من مرّةٍ من مُحاولات اغتيال لا يهاب الموت ويتمنّى الشّهادة، كإنسانٍ مُسلم مُؤمن، وأحد أحفاد الرّسول وآل بيته، تمامًا مثله مِثل شقيقه وأقرب أصدقائه السيّد حسن نصر الله سيّد الشّهداء، ولا ننْس ذراعه الأيمن الشّهيد قاسم سليماني، وكُل الشّهداء الآخَرين من جُنوده ومُستشاريه.

ولفت إلى أن هذه الاغتيالات الاستعراضيّة لن تنجح في إخفاء حقائق الهزيمة التي أوقعتها صواريخ الجيش الإيراني المُتقدّمة جدًّا في العُمُق الإسرائيلي المُحتل، فهذه هي المرّة الأولى في تاريخ الصّراع العربي الإسرائيلي التي لا تصل فيها الصّواريخ المُتطوّرة، والدّقيقة، إلى قلبِ حيفا وتل أبيب وشمال الجليل، وبيسان ولسان إيلات البحري شمال البحر الأحمر فقط، وإنّما تُدمّر مدن وعشرات بل مِئات العمارات، وتقتل وتُصيب المِئات من الجُنود والمُستوطنين الإسرائيليين.
 

تداعيات اغتيال المرشد الإيراني
   
ويرى السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إنه في حالة انهيار النظام الإيراني بالكامل أو حدوث انقلاب قصر يصاحبه تصفيات لأكثر العناصر تشددا داخل النظام الحالي، وهو ما بدأته إسرائيل بالفعل، ستدخل منطقة الشرق الأوسط في مرحلة صراعات على النفوذ. ستغذيها إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، والهدف مزدوج:

  • أولا: احتواء أي نفوذ روسي وصيني في المنطقة لعقود قادمة.
  • ثانيا: ترهيب الأطراف العربية للسير مع المخطط الأمريكي - الإسرائيلي بالكامل، والذي يرمي إلى هيمنة إسرائيلية تامة على الشرق الأوسط عن طريق تحالفات مع بعض الأنظمة العربية، بعضها يسير على هذا الطريق بالفعل، والبعض الآخر ينتظر الظروف المناسبة، من ذلك.
  • ثالثا: انتهاء الحرب على غزة، وايجاد إطار تفاوضي محدود لتنفيذ ما اصطلح على تسميته بمسار حل الدولتين وذلك ذرا للرماد ولدفن القضية الفلسطينية، والتطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني وسيترتب على ذلك أن تتعرض مصر لضغوط عديدة من جانب الإدارة الأمريكية لكي تساير التطورات، لكن ذلك إن تم، وأنا أشك، فهذا سيخلق توترات داخلية في البلاد.
     

خامنئي ودائرته
   وقُتل عدد من كبار القادة العسكريين منذ يوم الجمعة، بينهم المستشارون الكبار لخامنئي من الحرس الثوري، قوة النخبة العسكرية الإيرانية، وهم القائد العام للحرس حسين سلامي وقائد القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زادة، الذي كان يرأس برنامج الصواريخ الباليستية، ورئيس مخابرات الحرس الثوري محمد كاظمي.

ووفقا للمصادر، التي تضم ثلاثة أشخاص يحضرون أو حضروا اجتماعات مع خامنئي حول قضايا مهمة واثنين مقربين من المسؤولين الذين يشاركون بانتظام، كان هؤلاء الرجال جزءا من الدائرة المقربة من الزعيم الأعلى التي تضم ما يتراوح بين 15 و20 مستشارا من قادة الحرس الثوري ورجال الدين والسياسيين.

وقالت جميع المصادر إن هذه المجموعة الواسعة تجتمع دون ترتيب مسبق، عندما يتصل مكتب خامنئي بالمستشارين المناسبين لعقد لقاء في مجمعه في طهران لمناقشة قرار مهم، مضيفة أن الأعضاء يتسمون بالولاء الشديد له ولمبادئ الجمهورية الإسلامية.

وخامنئي البالغ من العمر 86 عاما الذي سُجن قبل ثورة 1979 وأصيب في هجوم بقنبلة قبل أن يصبح زعيما أعلى عام 1989، متمسك بشدة باستمرار نظام الحكم الإسلامي في إيران ولا يثق بالغرب بقدر كبير.
وبموجب النظام الديني بالبلاد، فإنه يحظى بالقيادة العليا للقوات المسلحة، وسلطة إعلان الحرب، ويمكنه تعيين أو عزل كبار الشخصيات بما في ذلك القادة العسكريين والقضاة.

وقال مصدر من الذين يحضرون الاجتماعات إن خامنئي هو من يتخذ القرار النهائي في المسائل المهمة، لكنه يقدر المشورة ويستمع باهتمام إلى وجهات النظر المختلفة، وغالبا ما يطلب معلومات إضافية من مستشاريه.

وقال أليكس فاتانكا مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن "هناك أمران يمكن قولهما عن خامنئي: إنه عنيد للغاية لكنه حذر للغاية أيضا... وهذا هو سبب بقائه في السلطة كل هذه المدة الطويلة".
وأضاف  أن "الزعيم الإيراني قادر تماما على أداء التحليل الأساسي للتكاليف مقابل الفوائد والذي يتعلق بشكل أساسي بقضية واحدة أهم من أي شيء آخر: بقاء النظام".

ووُضع الحرص على بقاء النظام محل الاختبار مرارا، فقد أمر خامنئي بنشر قوات الحرس الثوري وقوات الباسيج شبه العسكرية التابعة لها للتصدي لحركات احتجاجات على مستوى البلاد في الأعوام 1999 و2009 و2022.

وفي الوقت الذي يواجه فيه الزعيم الإيراني واحدة من أخطر الفترات في تاريخ الجمهورية الإسلامية، يجد نفسه في عزلة أكبر بسبب فقد مستشارين رئيسيين آخرين في المنطقة مع الضربات التي وجهتها إسرائيل "لمحور المقاومة" المتحالف مع إيران.

وقُتل الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصرالله، الذي كان مقربا شخصيا من خامنئي، في ضربة جوية إسرائيلية في سبتمبر من العام الماضي، وأطاحت قوات المعارضة أيضا بالرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر.