يتجه الذهب مجددًا إلى الواجهة كملاذ آمن للمستثمرين في ظل مناخ عالمي تتزايد فيه التقلبات الاقتصادية والمخاطر الجيوسياسية، إذ توقّع عدد من الخبراء أن تشهد أسعار الذهب ارتفاعات ملحوظة خلال الفترة المقبلة، لتصل إلى مستويات تاريخية جديدة، قد تلامس حاجز 3600 دولار للأوقية خلال النصف الثاني من عام 2025، وفقًا لتقديرات شركة "ANZ Research".
وسجل سعر الذهب عالميًا، وفق آخر تحديث لبيانات وكالة بلومبرج، ارتفاعًا بنسبة 0.29% ليبلغ نحو 3334 دولارًا للأوقية، في إشارة إلى تصاعد الطلب على المعدن الأصفر، وسط حالة من الترقب في الأسواق العالمية لمؤشرات الاقتصاد الأميركي والسياسات النقدية المرتقبة.
عوامل متعددة تدفع بالذهب إلى الصعود
يُرجع الخبراء هذا الاتجاه الصعودي إلى جملة من العوامل المتشابكة، أبرزها استمرار ضغوط التضخم في الولايات المتحدة، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى الإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول من المتوقع، وهو ما يجعل الذهب أداة تحوط فعالة في مواجهة تآكل القوة الشرائية للعملات.
كما أشار سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة "آي صاغة" المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، إلى أن "حالة الترقب لنتائج مؤشر أسعار المستهلكين الأميركي (CPI)"، تلعب دورًا كبيرًا في توجيه الأسواق، حيث يُعد هذا المؤشر من الأدوات الحاسمة في رسم سياسات الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي.
تصاعد الطلب من البنوك المركزية
واحدة من أهم الدوافع الكبرى لارتفاع الذهب، بحسب تقرير "آي صاغة"، هي الزيادة المطّردة في الطلب من قبل البنوك المركزية العالمية، التي عزّزت مشترياتها من الذهب في السنوات الأخيرة كجزء من استراتيجيات تنويع الأصول وتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي.
وأضاف التقرير أن هذا الاتجاه من قبل البنوك يأتي في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، خاصة في مناطق النزاع حول العالم، إضافة إلى تزايد المخاوف بشأن الأوضاع الاقتصادية في كبرى الاقتصادات، مثل الولايات المتحدة والصين.
السوق المحلي يتأثر بالتحركات العالمية
محليًا، أكد نادي نجيب، سكرتير عام شعبة الذهب سابقًا، أن السوق المصري يشهد بدوره موجة ارتفاعات متوقعة، نتيجة تأثره المباشر بالأسواق العالمية، في ظل سوق مفتوحة على الخارج وغياب أدوات التحوط المحلية.
وقال نجيب إن زيادة الطلب العالمي على الذهب تنعكس مباشرة على الأسعار المحلية، مشيرًا إلى أن المستثمرين باتوا يتجهون نحو الذهب كخيار مفضل للحفاظ على قيمة مدخراتهم وسط الضبابية الاقتصادية العالمية.
ترامب يعود.. والذهب يتحرك
في سياق آخر، ربط أحمد معطي، الخبير بأسواق المال، بين موجة الارتفاع المتوقعة في أسعار الذهب وتزايد التوترات الاقتصادية المرتبطة بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي مداخلة هاتفية على قناة "إكسترا نيوز"، أشار معطي إلى أن فترة رئاسة دونالد ترامب قد تشهد اضطرابات اقتصادية، ما يعزز من جاذبية الذهب كملاذ آمن، ورغم التراجع الطفيف الذي شهدته الأسعار مؤخرًا نتيجة ارتفاع الدولار، يتوقع معطي أن تعاود أسعار الذهب الصعود قريبًا.
الذهب مقابل الدولار والتجارة العالمية
في الخلفية، لا تزال حالة عدم اليقين تكتنف مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، رغم التصريحات الإيجابية المتكررة. هذا الترقب والشك، وفق محللين، يدفع المستثمرين إلى البحث عن أدوات أقل تقلبًا وأكثر أمانًا، وعلى رأسها الذهب.
توقعات النصف الثاني من 2025
توقعات المؤسسات المالية الكبرى لا تخرج عن هذا الإطار؛ فبحسب تقرير حديث صادر عن شركة "ANZ Research"، فإن أسعار الذهب مرشحة للوصول إلى 3600 دولار للأوقية بحلول نهاية عام 2025، مدفوعة بالطلب القوي والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وتراجع الثقة في الأصول التقليدية.
وفي ظل هذه المؤشرات، يترقب المتعاملون في أسواق الذهب مستقبلًا غير مستقر ولكن واعد، قد يعيد رسم ملامح الأسواق المالية العالمية، ويضع الذهب مجددًا في قلب مشهد الاستثمار الآمن والناجع.