شيّع العشرات من سكان الإسكندرية، أمس الثلاثاء، جثمان الشاب محمود صلاح كريم (32 عامًا)، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد عشرة أيام من إصابته البالغة نتيجة سقوط شرفة عقار سكني على سيارته خلال العاصفة المدمّرة التي ضربت المدينة في 31 مايو الماضي، في وداعٍ مهيب امتزجت فيه مشاعر الحزن بالغضب.
الحادثة المؤلمة أعادت إلى الواجهة ملف العقارات الآيلة للسقوط في عروس البحر المتوسط، والبنية التحتية غير المؤهلة لمواجهة الأزمات المناخية المتصاعدة.
طفل رضيع ينتظر أباً لن يعود
رحل محمود، تاركًا خلفه زوجة شابة ورضيعًا لم يتجاوز عمره ستة أشهر، وسط تساؤلات مُرّة حول مسؤولية ما جرى، وجدوى التحذيرات الحكومية التي تتكرر دون إجراءات ميدانية حاسمة.
شيّع الأهالي جثمان الفقيد بعد صلاة الجنازة في مسجد العمري، قبل مواراته الثرى في مقابر الأسرة بمنطقة العمود، حيث عمّت حالة من الحزن العميق على وجوه الحاضرين، لا سيما زملاؤه وأصدقاؤه الذين وصفوه بـ"الهادئ والمجتهد والمحُب للحياة".
تفاصيل الواقعة
وفق تحقيقات نيابة باب شرقي، فإن شرفة الطابق السابع بالعقار رقم 183 في شارع زكريا غنيم انهارت بشكل مفاجئ، لتسقط على سيارتين كانتا متوقفتين أسفل العقار، السيارة الأولى، من طراز "هيونداي توسان"، كان بداخلها محمود كريم، الذي أصيب حينها بنزيف حاد في المخ وكسر مضاعف في الفقرات العنقية، إلى جانب محمد ياسين (27 عامًا) الذي نجا من الموت بإصابات بالغة في الساق والركبة، فيما نجا ركاب السيارة الأخرى (لادا) بأعجوبة، رغم الأضرار البالغة التي لحقت بالمركبة.
عاصفة مايو.. اختبار قاسٍ لبنية المدينة
الواقعة لم تكن استثناءً، بل جاءت ضمن سلسلة من الأضرار التي طالت المدينة جراء موجة طقس غير مستقرة، صاحبتها رياح شديدة تجاوزت سرعتها 50 كيلومترًا في الساعة، وأمطار غزيرة وثلجية تسببت في غرق مناطق واسعة من كورنيش المدينة، وتراكم المياه في الأنفاق وأسفل الكباري. المشهد أعاد للأذهان سيناريوهات شتاء الأعوام السابقة، التي لم تقابلها حتى الآن خطة صيانة أو تطوير فعالة للبنية التحتية أو العقارات المتهالكة.
عقارات متهالكة.. والمساءلة غائبة
يقول أحد سكان الشارع الذي شهد الحادث: "العقار قديم، وكان واضحًا أن الشرفة غير مستقرة، ولكن لا أحد يتحرك، لا الحيّ، ولا الملاك، ولا السكان، نعيش على أمل ألا ينهار شيء فوق رؤوسنا".
في المقابل، يتحدث محامٍ تطوع لمتابعة ملف القضية أن "الإسكندرية تضم آلاف العقارات التي تهدد الأرواح يوميًا، وبعضها مدرج رسميًا ضمن قائمة المباني الآيلة للسقوط دون تنفيذ قرارات الإزالة".