تراجعت حكومة عبدالفتاح السيسي عن بيع بنك القاهرة لمستثمر استراتيجي بعد عروض "مخيبة للآمال"، لتتجه بدلًا من ذلك نحو طرح جزئي في البورصة خلال يوليو المقبل، وفق ما كشفت مصادر مطلعة.

جاء القرار بعد أن تلقت الحكومة عروضًا لم تتجاوز 1.5 مليار دولار، رغم تطلعها لتحقيق ما يزيد عن ملياري دولار من بيع ثالث أكبر بنك حكومي في البلاد. وكان أبرز العروض المقدمة من بنك "الإمارات دبي الوطني"، الذي حصل على موافقة البنك المركزي لإجراء الفحص النافي للجهالة في مارس الماضي.

التحول من البيع المباشر إلى الطرح في البورصة، الذي سيشمل ما بين 30% و35% من أسهم البنك، يفتح الباب أمام تساؤلات حول ثقة المستثمرين في الأصول المصرية، في ظل أزمات متتالية تتعلق بالسيولة الأجنبية وارتفاع المخاطر السياسية والاقتصادية.
 

الخصخصة في اختبار حقيقي
   هذا التراجع يضع برنامج الطروحات الحكومية، الذي أطلقته الدولة في مارس 2023، تحت مجهر التدقيق، خصوصًا أن البنك كان يُعد من أبرز الملفات "القابلة للبيع السريع" لقدرته العالية على توليد الأرباح، إذ سجّل بنك القاهرة صافي أرباح بلغ 12.4 مليار جنيه العام الماضي، بزيادة 84% عن عام 2022، بينما ارتفع إجمالي أصوله إلى 483 مليار جنيه.

ورغم تلك المؤشرات المالية الإيجابية، فإن ضعف العروض المقدمة يشير إلى ما وصفه مصدر حكومي بـ"تقييمات غير عادلة"، تعكس تحفظات المستثمرين على البيئة الاقتصادية الراهنة في مصر، فضلًا عن انخفاض قيمة العملة وقيود تحويل الأرباح.
 

البورصة بديلًا.. ولكن!
   ترى الحكومة في البورصة بديلًا مناسبًا لتعويض فشل البيع المباشر، خاصة بعد النجاح النسبي لطرح المصرف المتحد في نوفمبر الماضي، والذي شهد تغطية الطرح الخاص بمعدل ست مرات، مع تسعير السهم عند 13.85 جنيه.
وقد دفع ذلك إلى تسريع خطوات طرح بنوك أخرى، مثل بنك الإسكندرية، الذي تعثر بيعه مؤخرًا بعد فشل المفاوضات مع مجموعة "إنتيسا سان باولو" الإيطالية، المالكة لنسبة 80% من أسهمه.

وأكد المصدر الحكومي أن الطرح المزمع لبنك الإسكندرية، الذي تمتلك الحكومة فيه حصة 20%، سيجري أيضًا في يوليو، ما لم تظهر تطورات جديدة تعيد فتح قنوات التفاوض مع المشتري الإيطالي.
 

سباق مع الزمن لسد الفجوة الدولارية
   أطلقت الحكومة برنامج الطروحات بهدف جذب استثمارات أجنبية وتعزيز الإيرادات الدولارية، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة تمويل حادة وديون خارجية متزايدة.
وكان من المخطط الانتهاء من البرنامج في مارس 2024، لكنه مُدّد حتى نهاية ديسمبر 2025، في محاولة لتحقيق الهدف المرجو بجمع ما بين 3 و4 مليارات دولار.

ورغم أن الحكومة أكدت أنها أتمّت تجهيز ملفات بعض الشركات والبنوك تمهيدًا لطرحها، إلا أن ضعف الإقبال على الكيانات المالية الكبرى يهدد بإبطاء البرنامج برمّته، وربما يدفعها إلى إعادة النظر في استراتيجية الخصخصة القائمة على البيع السريع.