استضاف العراق ثلاث قمم عربية تميّزت بأنها مُقترنة بحدث مهم وسابقة لحدث خطير. ففي عام 1978 استضاف العراق القمّة العربية للمرّة الأولى في أعقاب زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس سنة 1977، وقد أسفرت القمّة عن قرار مهم وخطير هو عزل مصر عربياً ونقل مقرّ جامعة الدول العربية إلى تونس بدل القاهرة، وأعقبت القمّة أحداث كبرى أبرزها الاجتياح السوفيتي لأفغانستان عام 1979، وما رافقه من أحداث، ثم اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، حرب الخليج الأولى عام 1980.

في عام 1990 استضافت بغداد القمّة الثانية في أعقاب نهاية حرب الخليج الأولى واشتعال الانتفاضة الفلسطينية وانهيار الاتحاد السوفيتي بعد انسحاب قواته من أفغانستان، رافق ذلك بداية التوتّرات العراقية مع الكويت، وقد تمخّض عن القمّة قرار إعادة مصر إلى الصف العربي، وأعقبت القمّة أحداث كبرى، بدايتها اشتعال حرب الخليج الثانية بعد اجتياح الكويت في آب/ أغسطس عام 1990 وما رافقتها من تداعيات عطّلت العمل العربي المشترك.

القمّة الثالثة، التي استضافتها بغداد عام 2012، سبقتها أحداث كبرى، أهمها الربيع العربي واشتعال الأزمة السورية وانسحاب القوات الأميركية من العراق، وتمخّض عن القمّة واقع عزل سورية عربياً، وقد أعقبت القمّة أحداث كبرى، أهمها سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى على يد التنظيمات الإرهابية، والحرب العراقية على الإرهاب  التي استمرّت من عام 2014 إلى غاية 2017.

القمّة الرابعة في مايو 2025 سبقتها أحداث كبرى، أهمها استمرار الحرب في غزّة والحرب في أوكرانيا وتصاعد حدّة الصراع بين الهند وباكستان، وتراجع النفوذ الإيراني، وسقوط نظام بشار الأسد وصعود الجولاني (أحمد الشرع) بدعم تركي، وعودة مشاريع إدماج إسرائيل في المنطقة بعنوان الشرق الأوسط الجديد.

إضافة إلى ذلك، فإنّ الفضاء العربي اليوم مشحون بالكراهية والتوتّر البيني، إذ تتوتّر العلاقات بين العراق والكويت حول قضية خور عبد الله، وبين الجزائر والإمارات، وبين السودان والإمارات، وبين الجزائر والمغرب، وبين دول الخليج التي تتنافس من أجل الوصول إلى البحر المتوسّط عبر سورية ولبنان وليبيا.

وكذلك تتنافس بعض الدول العربية على منطقة القرن الأفريقي في جيبوتي والصومال لقطع الطريق على إيران وتحجيم نفوذها في باب المندب، الأمر الذي يعقّد مسار التعاون والعمل المشترك، فيما تعيش السودان وليبيا واليمن والصومال انقسامات وحروباً داخلية.

ولكن وسط كلّ هذا المحيط المشتعل بالحروب والأزمات والتوتّرات تعقد قمة بغداد، إذ سيصفق الحاضرون لبعضهم على بلاغة الكلمات وسيخرج القادة ببيان مشترك وفق الديباجات التي نعرفها، لكن يبقى السؤال الأهم يكرّر نفسه بعد أن عرفنا ما يحيط بنا من توترات وأحداث: ماذا سيأتي بعد قمّة بغداد الرابعة؟