في مشهد يُمزّق القلب ويفضح حجم المأساة التي يعيشها شباب مصر، شهدت منطقة المدينة الصناعية بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية واقعة مؤسفة، حيث أقدم محامٍ شاب يُدعى “محمد.ع”، يبلغ من العمر 35 عامًا، على إنهاء حياته داخل مكتبه، بسبب فشله في تحسين ظروف حياته المعيشية، وغلو الحياة، وعدم قدرته على تحقيق آماله وطموحه سواء بالزواج أو إيجاد وظيفة توفر له القدر ولو البسيط من العيش،
وقبل وفاته، نشر المحامي رسالة مؤثرة عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، وجه فيها كلمات وداع إلى أسرته وأصدقائه، وعبّر خلالها عن مشاعر الحزن واليأس التي كان يمر بها، وطلب من الجميع أن يتذكروه بالخير، مقدمًا اعتذاره لكل من يعرفه، ومؤكدًا أنه لم يجد حلاً سوى الرحيل، مضيفا "ولو أي حد زعلان مني أنا آسف بس مالقتش حل إني يبقى عندي 35 سنة ولسة زي مانا ماعملتش حاجة في دنيتي غير إني أروح لربنا".
وعقب تداول المنشور، تلقت الأجهزة الأمنية بلاغًا بوجود جثة داخل مكتب محاماة في أحد العقارات بالمنطقة.
فيما سادت حالة من الحزن بين أهالي المنطقة وزملاء المحامي الراحل الذين عبّروا عن صدمتهم بخبر وفاته.
وجاء انتحار هذا المحامي معبر عما آل له ملايين الشباب في مصر ليكون الموت ارحم من الحياة بها، كاشفا عن قهرٍ ممتد، وواقعٍ خانقٍ سرق منهم أحلامهم ومستقبلهم
صرخة اليأس المحامي التي أطلقها قبل أن يلف حبل النهاية حول عنقه، لم تكن فقط رسالة انكسار، بل شهادة صارخة على جريمة مستمرة تُرتكب بحق جيل كامل، جيل أُجبر على دفن أحلامه حيًّا، وسط صمت قاتل ونظام لا يرى في الشباب سوى أرقامًا زائدة.
هكذا يصنع السيسي ونظامه المأساة:
بالخذلان، والتجويع، والإذلال، حتى لم يعد الموت أقسى من الحياة.
حالات الانتحار عرض مستمر
ورصدت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، 322 حالة انتحار في مصر خلال عام 2023 في الفترة من شهر إبريل حتى مارس 2024، بمعدل 187 حالة انتحار خلال الستة أشهر الأولى من فترة الرصد إبريل إلى سبتمبر 2023، و135 حالة في الستة أشهر الأخيرة لفترة الرصد من أكتوبر 2023 حتى مارس 2024.
ووفقا للتقرير الصادر عن المؤسسة العربية، والذي يأتي استكمالا لتقارير المؤسسة التي تناولت تلك الظاهرة منذ عام 2019، فإن «الصورة تقترب من الواقع السيئ الذي تصل فيه حالات الانتحار إلى أكثر من 3 آلاف حالة خلال تلك الأعوام».
ومع ذلك، فإن هذا الرصد لا يمثل العدد الحقيقي لحالات الانتحار في المحافظات، والتي قد تصل إلى عدة آلاف سنويا، ويمكن رصدها من محاضر الشرطة ودفاتر وزارة الصحة، إذ اعتمدت تقارير المؤسسة على رصد التناول الصحفي لحالات الانتحار والتغطية الإعلامية عنها بالمواقع المصرية والعربية فقط.
كانت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، أصدرت تقريرًا يرصد حالات الانتحار في الفترة من أكتوبر 2022، حتى مارس 2023، وأظهر الرصد تكرار حالات الانتحار في مصر، لتصل إلى 147 حالة.بفارق 175 حالة انتحار عن العام السابق.
يشار إلى أن التقرير الذي تم إصداره من المؤسسة نفسها خلال الفترة من شهر أبريل وحتى شهر سبتمبر خلال عام 2022، وحمل عنوان «حالات الانتحار في مصر: الإحباط الاجتماعي وغياب الدولة»، أوضح أن عدد حالات الانتحار بلغ خلال فترة التقرير 186 حالة، وجاءت أعلى النسب في شهر يونيو بـ43 حالة بنسبة 23.11%، ثم شهر يوليو بـ39 حالة بنسبة 20.96%، تلاه شهر أغسطس بـ36 حالة بنسبة 19.35%.