أثار حكومة الانقلاب لتوقيع عقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز الطبيعي من قطر اهتمام المراقبين، خاصة أن هذه الخطوة تأتي في وقت تطالب فيه إسرائيل برفع أسعار الغاز المصدر إلى مصر، رغم أن الاتفاق الموقع بين الجانبين عام 2018 يحدد الأسعار بشكل ثابت.
وخلال زيارة وزير بترول حكومة الانقلاب، كريم بدوي، إلى الدوحة يوم الاثنين، سعى لتأمين احتياجات مصر المتزايدة من الغاز عبر اتفاقيات طويلة المدى مع قطر، أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم. وتأتي هذه التحركات في ظل تحسن ملحوظ في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين بعد سنوات من القطيعة (2013 – 2021).
ورغم أهمية الخطوة، لم يكشف بيان وزارة البترول عن تفاصيل الاتفاق المحتمل، مثل قيمته المالية، مدته، عدد الشحنات، أو موعد بدء التوريد. كما لم يُحدد متى سيبدأ ضخ الغاز إلى الشبكة القومية التي تغطي محافظات مصر، بما في ذلك القاهرة، التي يزيد عدد مستهلكي الغاز فيها عن 22 مليون نسمة.
"لماذا قطر؟"
وفي الوقت الذي تدخل فيه الدوحة بقوة عبر "قطر للطاقة" بشراكات مع شركات عالمية في 6 قطاعات للطاقة المصرية بين الاستكشاف والتنقيب والاستخراج، ناقش الوزير المصري مع الوزير القطري سعد شريدة الكعبي، تنفيذ مشروعات مشتركة للغاز الطبيعي، دون تحديد طبيعتها ولا القيم المالية والاستثمارية المحتملة لها.
وفي ديسمبر 2021، استحوذت "قطر للطاقة" على 17 بالمئة من امتيازين لشركة "شل" بمنطقة البحر الأحمر، لتتبعه في مارس 2022، بالاستحواذ على 40 بالمئة من استكشاف شمال مراقيا بالبحر المتوسط، مع "إكسون موبيل" التي تحوز 60 بالمئة من الامتياز.
وفي مايو 2024، استحوذت "قطر للطاقة" على 40 بالمئة في منطقتي "كايرو" و"مصري" قبالة السواحل المصرية من "إكسون موبيل"، لتتبعه في نوفمبر 2024، بالحصول على حصة تشغيلية 23 بالمئة في امتياز شمال الضبعة (H4) بالبحر المتوسط، من شركة "شيفرون".
تحرر من ورقة الضغط الإسرائيلية
وطالما أعرب مراقبون وسياسيون مصريون عن مخاوفهم من استخدام إسرائيل حاجة مصر من الغاز، وتزايد اعتمادها بشكل أساسي على تل أبيب، لتمارس ضغوطا سياسية واقتصادية ومالية على القاهرة ولتحقيق مكاسب في ملفات أخرى، بينها أزمة الحرب في غزة، وتواجد الجيش المصري في سيناء.
وتشير الأنباء لوجود توتر في الأجواء المصرية الإسرائيلية دفعت القاهرة لعدم تسمية سفير لها في تل أبيب وتأخير اعتماد سفير تل أبيب في القاهرة أوري روتمان، ما يعكس فتورًا دبلوماسيًا وتوترًا متصاعدًا، وفق ما أكدته "يديعوت أحرونوت" العبرية.
وفي قراءته لأهمية حصول مصر على الغاز وفق تعاقدات طويلة الأجل مع قطر على الأمن القومي، وفي حرمان إسرائيل من ورقة ضغط شديدة التأثير على مصر، تحدث السياسي محمد عوض، رئيس حزب "الخضر"، قائلًا: "بعيدًا عن أوراق الضغط فتلك في تقديري ليست المشكلة الحقيقية، لأن مدي نجاح أو فشل الادارة المصرية بإدارة الموارد الطبيعية وفق رؤيتي هي المشكلة الرئيسية"، موضحًا أنه "إذا لم نحسن ذلك فلن يكفي ما نستورده من وقود أحفوري من قطر وإسرائيل والجزائر"، وفقًا لـ "عربي21".
ولفت إلى أن "الحكومة أقامت محطات توليد كهرباء تعمل بالوقود الأحفوري، بمجموع إنتاج يفوق طلب السوق المحلي بنسبة 100 بالمئة"، متسائلًا: "على أي أساس ارتكز التخطيط الحكومي بهذه السعة الإنتاجية، وفوجئنا بعدم توفر احتياطي كافي من الوقود الأحفوري لتشغيل المحطات".
وأكد أنه "كان بديهيًا التنسيق بين الكهرباء والبترول، وكان سيسفر عن تكنولوجيا مختلفة لإنتاج الطاقة، كتعظيم محطات طاقة متجددة لا تحتاج وقود أحفوري، وأيضا الاستغناء عن إقامة محطات الكهرباء، ما يوفر تكاليف رهيبة أُنفقت دون مبرر مقبول ومنطقي".
وخلص للقول: "إذا المشكلة في كيفية إدارة الموارد، وهي ذاتها المشكلة التي أوقعت مصر بفخ الخضوع لتجار الوقود الأحفوري".
مناخ حرب باردة
وفي إجابته على السؤال: هل تمثل خطوة اعتماد مصر على استيراد الغاز من قطر بعقود ممتدة سياسة ثابتة لدى الدولة المصرية يتبعها تقليل الاعتماد على الغاز الإسرائيلي صونا لأمن الطاقة المصري؟، قال إن "تحريك إسرائيل أسعار بيع الغاز لمصر، سيجري في حدود معينة".
وأوضح أن "هذه الحدود تجعل استيراد الغاز منها أقل تكلفة عن شرائه من قطر والجزائر، وكقاعدة اقتصادية فإن تداول الغاز بشكل اقتصادي أفضل بين دول الجوار، حيث ينحصر الأمر في إقامة مشروعات خطوط أنابيب، ويتم التداول بصورة غازية، بينما تداول الغاز بين بلدان متباعدة يتم عبر محطات إسالة وتحويل السائل إلى غاز، بتكلفة استثمارية عالية ترفع سعر وتكلفة المليون وحدة حرارية".
ولفت إلى أن "هذه رؤيته عن الشق الاقتصادي لأزمة الوقود المصرية"، ملمحًا أنه "بالشق السياسي، نعود لتصريح وزير البترول عام 2010، بأن احتياطي الغاز المصري يكفي البلاد 60 عامًا"، متسائلًا: "أين ذهب ذلك الاحتياطي؟".
وأضاف: "لنسأل أنفسنا، عن حقيقة حصة مصر من حقل (ظُهر)، ففي حين أكدت الدولة أنه: (فتح مبين لمصر) من حيث الاحتياطي وكميات الغاز المنتجة، تقلصت حصة مصر لـ30 بالمئة"، متسائلًا: "من كان المسئول عن اتفاق بيع الغاز المصري لإسرائيل، وما مبرراته وعلى أي أسس فنية؟".
وأوضح أن "تصدير الغاز المصري لإسرائيل، مر بعدة مراحل، أولها تهديد شركات التنقيب الدولية ببيع حصتها من الحقول المصرية لإسرائيل مباشرة، ما دفع القاهرة لشراء حصص تلك الشركات مقابل ما يعادلها من الزيت الخام، فلم يكن لدينا فائض دولاري لسداد ثمن الغاز وقتها، ولم نكن نحتاج تلك الكميات، وتم شراؤها حتى لا تذهب لإسرائيل من الشركات الدولية".
ولفت إلى أن "الأمر تحول إلى تصدير مباشر لما تنتجه مصر من غاز إلى إسرائيل، ثم فجأة انقلبت الموازين وباتت مصر أكبر مستورد للغاز الإسرائيلي"، مؤكدًا أنه "لذلك التضارب لا يمكن فنيًا أو اقتصاديًا الإقرار بأن مصادر أخرى للغاز ستمثل مخرجًا للمأزق المصري".
وختم قائلا: "يرى البعض أن إسرائيل تملكت زمام توريد الغاز لمصر، لكن آخرون يعتقدون أنها لا يمكنها التعنت مع مصر في تسعير الغاز، لأنه يمكن توفير البديل ولو بسعر أعلى، وثانيا أن هذا التعنت له أثر سلبي على علاقات البلدين السياسية، ويدفع لمناخ حرب باردة".
خطوة تصحيح
الخبير المصري في شؤون الطاقة الدكتور خالد فؤاد، أعرب عن أمنيته بأن "يكون هناك فهم حكومي لحقيقة المخاطر التي تحيط بمصر من استمرار اعتمادها على استيراد الغاز من إسرائيل، وأن تكون خطوة الاستيراد من قطر وفق اتفاق طويل الأجل توجه لتعزيز أمن الطاقة المصري".
فؤاد، وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، قال إنها "خطوة في الاتجاه الصحيح"، مشيرًا إلى معاناة مصر من تراجع حاد في إنتاجها مقابل زيادة في استهلاك الغاز، وملمحًا إلى خطورة الاعتماد على الغاز الإسرائيلي مع توتر العلاقات وفي ظل مؤشرات استخدام إسرائيل للغاز كأداة للمساومة والضغط على مصر منذ حرب غزة.
وحذر من استمرار "ارتباط أمن الطاقة المصري بأمن الطاقة الإسرائيلي وارتهانه للأزمات والصراعات التي تخوضها إسرائيل".
وثمن الاتجاه نحو العقود طويلة الأجل وتأمين كميات الغاز المسال لمدة زمنية كبيرة من مصادر موثوقة تربطها علاقات متماسكة مع مصر، مؤكدا أن الأهم أن يتبعها سياسة تقليل الاعتماد على الغاز الإسرائيلي وصولا إلى انهاء الاعتماد عليه وتعزيز أمن الطاقة المصري.
وتراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي خلال يناير الماضي بمقدار 960 مليون متر مكعب على أساس سنوي، ليظل عند أدنى مستوى في 8 سنوات، فيما انخفض إلى 49.37 مليار متر مكعب خلال 2024، مقابل 59.29 مليار متر مكعب عام 2023، وفق حسابات وحدة أبحاث الطاقة.
وتبلغ احتياجات البلاد صاحبة ثاني أكبر اقتصاد قاري وثالث أكبر اقتصاد عربي من الغاز الطبيعي أكثر من 6 مليارات قدم مكعب يوميا، في حين يبلغ إنتاجها اليومي نحو 4.3 مليار قدم مكعب، في فجوة تصل لنحو 1.7 مليار قدم مكعب، تزيد في الصيف لتصل إلى نحو 2.7 مليار قدم مكعب، مع زيادة الاحتياجات اليومية لنحو 7 مليارات قدم مكعب يوميًا بأشهر الصيف.