ذكرت صحيفة أوراسيا ريفيو أنه لعدة عقود، استغلت مصر موقعها الجيوسياسي للحصول على دعم مالي من القوى العالمية، فتجنّبت الانهيار دون تحقيق نمو دائم. الأزمة الحالية، التي فجّرتها حرب غزة وتراجع إيرادات قناة السويس وسوء الإدارة المستمر، دفعت الحلفاء مجددًا إلى تقديم عشرات المليارات. لكن مع تكرار عمليات الإنقاذ وتضخم حجمها، يحذّر الخبراء من أن الاقتصاد المصري يقترب من أن يصبح "أكبر من أن يُنقذ" دون إصلاحات هيكلية جذرية.

 

أزمة مألوفة وإنقاذ مكلف

بحلول أوائل 2024، اهتزّ الاقتصاد المصري بقوة. سنوات من سوء الإدارة وتداعيات جائحة كورونا وحرب أوكرانيا دفعت التضخم لتجاوز 30%، والجنيه للانهيار، والدين العام للانفجار. زادت حرب غزة الطين بلّة؛ فهجمات الحوثيين خفضت إيرادات قناة السويس بنسبة 25%، والسياحة تأثرت بشدة، ما يهدد بخسائر تصل إلى 13.7 مليار دولار خلال عامين حسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

ومع ذلك، تحركت الدول الداعمة بسرعة. أعلنت الإمارات عن استثمار 35 مليار دولار في مشروع رأس الحكمة، وزاد صندوق النقد الدولي حجم قروضه إلى 8 مليارات، بينما قدّمت أوروبا والبنك الدولي 14 مليارًا إضافية. تجاوز مجموع المساعدات 50 مليار دولار خلال أسابيع، ما أنقذ الجنيه من الانهيار وأبعد شبح التعثر—لكن إلى متى؟

 

عقلية "أكبر من أن تفشل"

اعتمدت النخبة الحاكمة في مصر على افتراض مفاده أن أهمية البلاد الاستراتيجية تضمن تدفق الدعم باستمرار.

في السبعينيات والثمانينيات، تدفقت المساعدات الأميركية بعد اتفاق السلام مع إسرائيل. في التسعينيات، أُعفيت مصر من 40% من ديونها بعد حرب الخليج. وفي الفترة 2013–2016، موّلت السعودية والإمارات حكومة عبد الفتاح السيسي بـ30 مليار دولار لمواجهة الإخوان المسلمين.

دفع تكرار عمليات الإنقاذ الدولة إلى تأجيل الإصلاحات، مما عزز عقلية الاعتماد. وصرّحت المحللة آيمي هوثورن بأن "المسؤولين المصريين يعتبرون المساعدات حقًا مكتسبًا"، ما رسّخ حالة من التراخي وسوء الأداء.

 

قبضة الجيش على الاقتصاد

يعوق الاقتصاد المصري توسع الجيش في قطاعات رئيسية كالبناء والطاقة. رغم غموض نسبته من الناتج المحلي، يحظى الجيش بإعفاءات ضريبية وأراضٍ عامة تمثل 94% من مساحة الدولة. كذلك، تدخل في شراكات مع القطاع الخاص، ما يعيق المنافسة ويخيف المستثمرين.

في الوقت نفسه، يواصل السيسي التركيز على مشاريع ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة (58 مليار دولار) وتوسعة قناة السويس (8 مليارات)، دون عوائد واضحة. وصفها الباحث روبرت سبرينجبورج بأنها "وسائل لإبهار الرأي العام، تصرف الانتباه عن غياب الإصلاح الحقيقي".

 

وعود جوفاء وإصلاحات معلّقة

رغم مطالب صندوق النقد بتقليص دور الدولة، فإن التقدم بطيء. أعلن النظام في 2022 سياسة لخفض ملكية الدولة، لكن شركتين عسكريتين فقط طُرحتا للبيع دون إتمام العملية، بينما استمرت توسعات الشركات التابعة للجيش، واستحوذت على أصول بقيمة 374 مليون دولار في قطاعات الطاقة والصلب عام 2023.

السعودية بدأت تُشدد شروطها. صرّح وزير المالية السعودي محمد الجدعان بأن "عصر الدعم غير المشروط انتهى". صارت الاستثمارات مشروطة بإصلاحات واضحة.

 

مخاطر الجمود

الاعتماد على حجم الدولة كوسيلة لضمان الدعم يحمل مخاطرة عكسية: مصر قد تكون "ضعيفة جدًا على أن تنجح". منذ 2016، حصلت على أربعة برامج من صندوق النقد، وتضاعف حجم الإنقاذ من 12 إلى 50 مليار دولار.

يحذّر الاقتصادي إسحاق ديوان من أن مصر ربما تجاوزت مرحلة "أكبر من أن تُنقذ". يبلغ عدد السكان 116 مليونًا، 70 مليونًا منهم تحت سن الـ35، بينما انهار الاستثمار الخاص إلى 2% فقط من الناتج، وتقلص القطاع الخاص غير النفطي في معظم السنوات التسع الأخيرة. تصاعدت هجرة الكفاءات، خاصة الأطباء، ما يفاقم الأزمة.

 

طريق النجاة: الإصلاح أو الانهيار

لكسر الحلقة، تحتاج مصر إلى:

1. تمكين القطاع الخاص — كبح تدخل الجيش والدولة، وضمان عدالة السوق. يمكن للمشاريع الصغيرة والمتوسطة أن تقود خلق الوظائف.


2. إصلاح سياسي فعلي — الاستبداد يخنق الابتكار. مصر تحتل المرتبة 136 في مؤشر سيادة القانون، ما ينفّر المستثمرين.


3. وقف هوس المشاريع العملاقة — إعادة توجيه الموارد نحو التعليم والصحة والصناعات المستدامة.


4. توظيف الإمكانات السكانية — يجب استثمار الطاقات الشبابية بدلًا من خسارتها في الهجرة.

 

فرصة أخيرة؟

ربما يشكّل إنقاذ 2024 آخر إنذار. الدعم الخارجي لم يعد مضمونًا، ومكانة مصر تتراجع أمام صعود قوى إقليمية كالسعودية. أما الاعتماد على الأزمات لابتزاز الدعم، فلن يستمر طويلًا.

ورأت اوراسيا ريفيو أن شعار "الجمهورية الجديدة" الذي ترفعه السلطة يبقى فارغًا دون تغيير حقيقي. ويستحيل تحقيق التحول المنشود دون تقليص هيمنة الجيش، وتعزيز الشفافية، وإعطاء المواطن دورًا حقيقيًا. وإلا، ستبقى مصر رهينة حلقة مفرغة من الاعتماد والانهيار الوشيك.

https://www.eurasiareview.com/07052025-the-gaza-war-and-the-egypt-is-too-big-to-fail-argument-analysis/