أعلنت صحيفة "يوديشه ألغماينه" اليهودية الألمانية في 28 مارس أن تل أبيب ستصبح الشريك التوأم الجديد لبرلين، وأيّد هذا القرار جميع ممثلي الأحزاب في برلمان المدينة، بمن فيهم الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي والخضر وحتى "اليسار" وحزب البديل اليميني المتطرف. وفيما تنأى دول كثيرة بنفسها تدريجيًا عن النظام الإسرائيلي، اختارت برلين تعزيز علاقاتها مع حكومة متهمة بارتكاب إبادة جماعية.

اختيار مدينة توأم لا يقتصر على الرمزية، بل يعكس مصالح وقيمًا مشتركة. وبينما يرتكب طرف الإبادة، يدعم الآخر ويموّل ويبرر، وبينما يُطرد شعب من أرضه، يتغاضى الطرف الآخر ويكرر حديثًا أجوف عن حقوق الإنسان. هذا التحالف يكشف ازدراءً مشتركًا للقانون الدولي وللمحكمة الجنائية الدولية.

هذا القرار يمثل نسيانًا تاريخيًا غير مسبوق. برلين، التي كثيرًا ما تستحضر حصارها بعد الحرب العالمية الثانية باعتباره تجربة مفصلية، تقف الآن مع من يحاصر الآخرين. لو كان لتجربة الحصار في ذاكرة المدينة هذا العمق، لاختارت غزة توأمًا لها، لا عاصمة الدولة التي تفرض حصارًا عليها منذ 17 عامًا وتحوّلها إلى أكبر سجن في العالم.

تلقت برلين حينها المساعدات من الغرب رغم الحصار السوفييتي، بينما يُمنع اليوم إدخال الغذاء إلى غزة. دعم غزة، لا تل أبيب، كان ليعبر عن مسؤولية تاريخية حقيقية.

قرار برلين يؤكد تغلغل نفوذ اللوبي الصهيوني في الحياة السياسية الألمانية. يكفي وجود شبهات بـ"معاداة السامية" وفقًا لتعريف "IHRA" المثير للجدل، لتتحرك آلة القمع: حملات تشويه ومداهمات ومحاكمات ومنع فعاليات تضامنية مع الفلسطينيين.

مارس عمدة برلين، كاي فيجنر، ضغوطًا على جامعة برلين لإلغاء فعالية للمقررة الأممية الخاصة بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيزي. زخضعت الجامعة للضغط الصهيوني، ما شكّل اعتداءً مباشرًا على استقلال الأكاديميا. لاحقًا، شنّت صحيفة يمينية حملة تشويه جديدة ضد ألبانيزي، مستندة إلى تصريحات كاذبة للمسؤولين الإسرائيليين.

في خطوة غير مسبوقة، أعلنت برلين في أبريل ترحيل أربعة أجانب بسبب مشاركتهم في مظاهرات مؤيدة لغزة. لم يرتكبوا أي جريمة، لكنهم عبّروا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وهذا صار أمرًا لا يُحتمل في ألمانيا. تُوجّه رسالة واضحة: من يدافع عن فلسطين يصبح هدفًا للقمع.

عواقب تبني ألمانيا لتعريف "IHRA" عام 2017 ظهرت جلية في 2024 و2025. مررت الحكومة قرارات تُتيح وصم أي شخص بمعاداة السامية لمجرد انتقاده إسرائيل. أخطرها قراران: الأول تحت شعار "لا تكرار للمعاداة"، والثاني استهدف الجامعات بدعوى انتشار "معاداة السامية" بين طلابها، دون أي تشاور مع الهيئات الأكاديمية المختصة.

يخفي هذا القرار أجندة صهيونية واضحة: تكميم الأفواه الأكاديمية وملاحقة كل من يرفض سياسة الاحتلال والقتل في غزة. يقف خلفه سياسيون مرتبطون بجمعيات صهيونية، لا يهتمون بحرية البحث أو الدقة التاريخية.

كانت برلين وجهة للشباب والمثقفين حول العالم. اليوم، تلوّث سمعتها باستغلال تهمة معاداة السامية لقمع حرية التعبير والتفكير. شراكتها مع تل أبيب حوّلتها إلى ملاذ للجنود المتهمين بجرائم حرب، تحت ذريعة "حماية الحياة اليهودية".

بهذا التحالف، تسلك برلين طريقًا جديدًا نحو فاشية مقنّعة، تقمع الحرية باسم الديمقراطية، وتُشرعن الإبادة باسم "القيم المشتركة".

https://www.middleeasteye.net/opinion/welcome-berlin-germany-capital-zionist-repression