بدأت حكومة عبدالفتاح السيسي، خطواتها الجدية نحو إحداث تغيير جذري في أحد أكثر الملفات الاجتماعية حساسية وتعقيدًا، بإعلان وزير الإسكان والمرافق شريف الشربيني أن الدولة تستعد لإخلاء ما يقرب من 2.5 مليون وحدة سكنية خاضعة لقانون الإيجارات القديمة خلال خمس سنوات كحد أقصى، تمهيدًا لـ"تحرير العلاقة الإيجارية" بين المالك والمستأجر.
التصريحات التي أدلى بها الشربيني خلال اجتماع مشترك للجان الإسكان والإدارة المحلية والتشريعية في مجلس النواب، فتحت الباب أمام جدل سياسي وبرلماني واجتماعي واسع، إذ أكد أن الحكومة ستوفر وحدات بديلة للمستأجرين، سواء بنظام الإيجار أو التمليك، عبر لجان تنفيذية ستُشكل في المحافظات لدراسة الاحتياجات ومواقع السكن الجديد.
لكن رغم محاولات الطمأنة، أثار المشروع موجة من القلق داخل أروقة البرلمان، وسط تحذيرات من أن يؤدي تنفيذ القرار بشكل فج إلى زعزعة السلم المجتمعي، خاصة أن القانون يقضي بإخلاء الوحدات في نهاية المهلة دون استثناء، مع إلزام المستأجرين بترك الشقق، ومنح الملاك حق التوجه إلى القضاء لطرد الممتنعين.
مخاوف برلمانية: من الزمالك إلى الأسمرات؟
رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أحمد السجيني، حذر من اختلال التوازن الاجتماعي الناتج عن تنفيذ القانون دون دراسة كافية للآثار المترتبة عليه. وقال السجيني إن بعض الأسر المستأجرة في مناطق راقية مثل الزمالك والمهندسين قد تجد نفسها مجبرة على الانتقال إلى مناطق مثل الأسمرات، وهو ما قد يخلق شعورًا بالتهجير القسري حتى لو كان عبر وسائل قانونية.
وأكد السجيني أن المستأجرين يشعرون بحالة من "الفزع الجماعي" نتيجة تداول مشروع القانون، داعيًا الحكومة إلى مراعاة الجانب الإنساني والاجتماعي، وعدم التعامل مع القانون بمنطق الأرقام فقط.
اتهامات بعدم دستورية التطبيق
من جانبه، شن مصطفى بكري هجومًا لاذعًا على الحكومة، متهمًا إياها بعدم الالتزام بروح الدستور. وقال بكري إن الحكم الأخير للمحكمة الدستورية لم ينص على الإخلاء، بل اقتصر على السماح برفع القيمة الإيجارية، وبالتالي فإن إلزام المستأجرين بالإخلاء بعد خمس سنوات يمثل، في رأيه، تجاوزًا دستوريًا من قبل السلطة التشريعية.
وصف بكري المشروع بأنه "كرة لهب ألقيت في حجر البرلمان"، مشيرًا إلى أن البلاد تمر بظروف إقليمية ودولية معقدة لا تحتمل تصعيدًا اجتماعيًا من هذا النوع.
"خطر على السلم المجتمعي"
النائب عمرو درويش حذر كذلك من خطورة الإجراء في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، وقال إن تحرير العلاقة الإيجارية بهذا الشكل "خطير للغاية"، مطالبًا بأن يقتصر التحرير على الوحدات المغلقة وغير المستخدمة، مع رفع القيمة الإيجارية للوحدات المأهولة تدريجيًا وبشكل عادل.
الدولة ترد: لدينا مهلة وسنوفر بدائل
في المقابل، سعت الحكومة عبر وزير الشؤون النيابية محمود فوزي إلى تأكيد أن مشروع القانون يستند إلى مرجعية قانونية واضحة، مستندًا إلى حكم المحكمة الدستورية الذي منح المشرّع الحق في تنظيم العلاقة الإيجارية.
وأشار فوزي إلى أن البرلمان سبق أن أقر قانونًا مشابهًا عام 2022 يتعلق بالأماكن المؤجرة لغير غرض السكن، في إشارة إلى أن المسار التشريعي ليس جديدًا، بل هو استكمال لموجة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بما يتوافق مع الواقع الحالي.
زيادات ضخمة في الإيجارات وشروط إخلاء صارمة
وفقًا لمشروع القانون الجديد، ستُضاعف القيمة الإيجارية الشهرية للأماكن السكنية المؤجرة 20 مرة مقارنة بالإيجار الحالي، مع حد أدنى قدره 1000 جنيه شهريًا في المدن، و500 جنيه في القرى، على أن تزيد بنسبة 15% سنويًا. ومع نهاية المهلة المحددة، تُنهى جميع عقود الإيجار القديمة، ويُطالب المستأجر بإخلاء الوحدة السكنية، مع منح المالك الحق في اللجوء إلى القضاء للطرد حال الامتناع.
حكم المحكمة الدستورية: البداية القانونية للزلزال
يعود أصل الأزمة إلى حكم المحكمة الدستورية الصادر في عام 2024، والذي قضى بعدم دستورية بعض فقرات قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر رقم 136 لسنة 1981، واعتبر أن تجميد الأجرة لمدة غير محددة أمر لا يتوافق مع مبادئ العدالة. وحدد الحكم شهر يوليو 2025 كموعد لدخول قراراته حيز التنفيذ، ما يعني أن العد التنازلي لإخلاء ملايين الوحدات قد بدأ بالفعل.