اعتبر الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست في مقال تحليلي نشره على موقع ميدل إيست آي، أن قرار السلطات الأردنية حظر جماعة الإخوان المسلمين يُمثّل رضوخًا فاضحًا لإملاءات الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، محذرًا من أن هذه الخطوة تُضعف مناعة المملكة أمام مشروع الضم الإسرائيلي وتضعها على طريق محفوف بالمخاطر.
هيرست، رئيس تحرير الموقع البريطاني الشهير، رأى في مقاله المطوّل أن الملك عبد الله الثاني قدّم الإخوان "قربانًا سياسيًا" لاسترضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت تمر فيه المنطقة بمرحلة حرجة على وقع المجازر الإسرائيلية في غزة والاحتقان الشعبي العربي العارم.
هدية ثمينة لترامب.. ولكن بثمن
بدلًا من إرسال سجادة تقليدية أو زوج من الصقور كما جرت العادة في الدبلوماسية العربية، اختار الملك عبد الله، بحسب هيرست، أن يُقدّم ما هو أكثر تأثيرًا: رأس جماعة الإخوان المسلمين، التي لعبت لعقود دور صمام الأمان في الداخل الأردني.
ويُذكّر هيرست بأن الأردن لطالما اعتمد على المساعدات الأميركية، وأن التهديدات المتكررة من إدارة ترامب بقطع الدعم ربما كانت وراء هذه الخطوة. وهو ما بدا واضحًا بعد استئناف ضخ ملايين الدولارات إلى محطة تحلية المياه في العقبة، والتي كانت شبه متوقفة عقب قرار ترامب المفاجئ تقليص المساعدات الخارجية.
الإخوان.. من الشراكة إلى الحظر
يرسم هيرست خطًا زمنيًا دقيقًا يوضح تحوّلات العلاقة بين النظام الأردني والإخوان المسلمين، بدءًا من عهد الملك حسين الذي حافظ على شراكة مع الجماعة، واعتبرها جسراً داخليًا متينًا، وصولًا إلى التوترات المتصاعدة في عهد نجله عبد الله الثاني.
فقد دعّم الملك حسين الجماعة سياسيًا في أكثر من منعطف حرج، أبرزها أزمة 1990 خلال الغزو العراقي للكويت، حين ضم وزراء من الجماعة إلى حكومته للحفاظ على التماسك الوطني.
ورغم الخلافات حول قضايا إقليمية، مثل معاهدة السلام مع إسرائيل، لم يُقدِم الملك حسين أبدًا على حظر الجماعة.
في المقابل، اختار عبد الله الثاني منذ بداية حكمه نهج الإقصاء، بدءًا بطرد قادة حماس من البلاد في 1999، مرورًا بنزع الصفة القانونية عن الإخوان، وصولًا إلى التضييق على ذراعهم السياسية – جبهة العمل الإسلامي – ومحاولة خلق بدائل مصطنعة من منشقين عن الجماعة.
السابع من أكتوبر.. وعودة النفوذ الإسلامي
ويلفت هيرست إلى أن قرار الحظر جاء بعد عام على عملية السابع من أكتوبر 2023، التي قادتها كتائب القسام، والتي أعادت الزخم الشعبي لدور الإسلاميين في مواجهة الاحتلال، خاصة داخل الأوساط العشائرية شرق الأردنية.
ورغم التضييق الأمني، حصلت جبهة العمل الإسلامي على 31 مقعدًا في البرلمان – وهو ما يعكس بحسب هيرست فشل الاستراتيجية الرسمية في القضاء على الجماعة سياسيًا.
حملة إعلامية ممنهجة.. لا تلقائية
يُشكّك هيرست في شرعية "الحملة الإعلامية" التي سبقت قرار الحظر، معتبرًا أنها موجّهة من أجهزة الدولة، لا سيما المخابرات العامة، والتي يرى أنها تمثل "الدولة الموازية" في الأردن، وتتقاطع مصالحها بشدة مع واشنطن وتل أبيب.
ويُظهر تحليل هيرست تباينًا داخل الدولة الأردنية نفسها، بين تيار يؤمن أن إسرائيل عدو وجودي للمملكة – يمثله وزير الخارجية أيمن الصفدي – وتيار آخر، داخل المخابرات، يرى أن الخطر الأكبر يأتي من الإسلام السياسي وإيران.
مخابرات مدعومة من الـCIA
بحسب هيرست، فإن جهاز المخابرات الأردنية يُعد شريكًا استراتيجيًا لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، ويحصل على تمويل منفصل مباشر من واشنطن. بل إن بعض عناصر الـCIA يعملون من داخل مقر الجهاز الأردني نفسه.
ويقتبس هيرست من مسؤولين سابقين في المخابرات الأميركية إشادات بالقدرة المهنية للجهاز الأردني، الذي يُعد من الأدوات الفعالة في "الحرب على الإرهاب" ومراقبة الساحة السورية واليمنية والفلسطينية.
مخاطر استراتيجية.. وإضعاف للداخل
يحذّر هيرست من أن هذه الخطوة قد تُضعف استقرار الأردن، الذي يواجه تحديات وجودية على خلفية المشروع الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة إلى الضفة الشرقية (الأردن).
ويشير إلى حادثة لافتة وقعت في سبتمبر 2024، حين أقدم جندي متقاعد على قتل ثلاثة إسرائيليين عند معبر حدودي، وتوافدت قيادات عشائرية وضباط لحضور عزائه – في مؤشر على تصاعد الرفض الشعبي للسياسات الإسرائيلية داخل الأردن.
انفجار وشيك في الأقصى
يتزامن قرار حظر الإخوان مع موجة اقتحامات غير مسبوقة للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين الإسرائيليين، حيث دخل أكثر من 6700 يهودي إلى المسجد خلال عيد الفصح، بحسب أرقام دائرة الأوقاف.
ويقول هيرست إن هذه الأفعال تُمثّل "لحظة حقد ديني" تدفع الفلسطينيين والعرب نحو الانفجار، في وقت تنزع فيه إسرائيل عن نفسها كل أقنعة التعايش، وتتحوّل إلى "كيان صليبي" لا يعبأ بمحيطه.
إزالة صمام الأمان الأخير
يختم هيرست مقاله بتحذير لافت: "ما فعله عبد الله هو إزالة صمام الأمان الوحيد المتبقي في المملكة"، ويقصد بذلك جماعة الإخوان المسلمين، التي لطالما لعبت دور المُنفس الشعبي للغضب، وضمانة لتوازن سياسي هش في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.