وسط حالة من الرفض الفلسطيني الداخلي من قبل الشارع لتلك الخطوة، في مقابل رضا الأنظمة العربية والغربية والاحتلال، تم تعيين حسين الشيخ في منصب نائب رئيس دولة فلسطين ولرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمّة التحرير.
“الشيخ” والذي جاء بمباركة أمريكية وإسرائيلية وعربية، استطاع خلال السنوات الأخيرة، القيام بخطوات حثيثة للوصول للمنصب، والذي يعني فعليًا هو الرئيس الفعلي للسلطة بعد انتهاء صلاحية محمود عباس كرئيس بالنسبة للأنظمة العربية والغربية وكذلك الاحتلال.
تكريس لنهج الإقصاء
ووصفت حركة حماس في أول تعليق رسمي لها على تعيين حسين الشيخ نائباً للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه خطوةٌ مستنكرة وجاءت استجابةً لإملاءات خارجية، وتكريساً لنهج التفرد والإقصاء، بعيداً عن التوافق الوطني والإرادة الشعبية وبأنه يعكس إصرار القيادة المتنفذة في منظمة التحرير على الاستمرار في تعطيل مؤسساتها.
وقالت حماس في بيانها "إنّ أولوية شعبنا الفلسطيني اليوم هي وقف العدوان وحرب الإبادة والتجويع، وتوحيد الجهود لمواجهة الاحتلال والاستيطان، لا توزيع المناصب وتقاسم كعكة السلطة إرضاءً لجهات خارجية".
ودعت الحركة الفصائل والقوى الفلسطينية كافة إلى رفض هذه الخطوة، والتمسّك بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية وديمقراطية، بعيدا عن الإملاءات والوصاية، وبما يعبّر عن إرادة الشعب، ويخدم قضيته العادلة، وفقًا للحركة .
رجل إسرائيل
ونشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريراً مطولاً عن الشيخ خلال الأيام الماضية، وقالت إن قادة الاحتلال معجبون به ويرونه خليفة محتملاً لرئيس السلطة محمود عباس، فهو يتمتع بعلاقات قوية مع دوائر الأمن الإسرائيلي ويناصب في المقابل حركة حماس العداء الشديد.
وتطرقت الصحيفة في تقريرها إلى نمط الحياة الباذخ الذي يعيشه، ومدى الحظوة التي يتمتع بها حالياً بالتقرب إلى أقصى حد من عباس، لدرجة أنه يرافقه في كل مكان يزوره.
وتقول المجلة إن الشيخ يُعجب سماسرة القوة الإسرائيليون بالشيخ باعتباره شريكًا براغماتيًا يتمتع بقدرة خارقة على إيجاد أرضية مشتركة، فيما قال مسؤول أمني إسرائيلي كبير متقاعد طلب عدم ذكر اسمه بسبب دوره المستمر في المخابرات الإسرائيلية كجندي احتياطي: “إنه رجلنا في رام الله”.
وتشير المجلة في المقابل إلى أن الشيخ ينظر اليه الكثير من أفراد الشعب الفلسطيني على أنه الرجل الذي يقوم بالعمل القذر، في إشارة إلى تواصله المستمر مع الاحتلال، في محاولة منه لتعزيز حظوظه في معركة خلافة عباس البالغ من العمر 87 عامًا.
مطابق للمواصفات الصهيونية
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي ماهر أبو طير إن اختيار الشيخ، المعروف بدوره البارز في التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي لسنوات طويلة، جاء استجابة لمطالب عديدة بإجراء إصلاحات هيكلية داخل السلطة الوطنية الفلسطينية.
وأوضح أن الدول العربية، خلال الحرب الأخيرة على غزة، اشترطت دعم السلطة مقابل تنفيذ إصلاحات جوهرية في بنيتها الإدارية وعلاقتها بمنظمة التحرير.
وأشار أبو طير إلى أن المشهد في الضفة الغربية مختلف تمامًا، وأن حسين الشيخ شخصية تنسجم مواصفاته مع المتطلبات الإسرائيلية والأمريكية، بسبب موقفه الرافض لأي عمل مسلح ضد الاحتلال وتمسكه بخيار التنسيق الأمني والتسوية السياسية.
وأضاف أبو طير أن تعيين شخصية أمنية في هذا المنصب الحساس لن يؤدي إلى تغيير الواقع الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون في الضفة الغربية، مع تصاعد خطر التهجير واستمرار مشاريع الاستيطان “الإسرائيلية”.
وأشار إلى أن عدة فصائل فلسطينية، من بينها الجبهة الشعبية وحركة حماس، قاطعت اجتماع المجلس المركزي الذي تم خلاله اتخاذ القرار، بسبب غياب التوافق الوطني، خاصة في ظل حاجة الشعب الفلسطيني إلى وحدة سياسية وشعبية بين الضفة وغزة.
خيانة موثقة
دفع تنصيب حسين الشيخ في منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية ونائب رئيس منظمة التحرير الكثيرين لتتبع الخط التصاعدي الذي انتجه الرجل في التخطيط والتسلق وشراء الذمم وخيانة رفقاء الدرب ليصل إلى هدفه.
الشيخ والذي ارتقى في مناصب عديدة وبسرعة كبيرة داخل فتح والمنظمة والسلطة وضع الكثير من علامات الاستفهام لدى الشارع الفلسطيني وداخل أطر حركة فتح، لكن الكثير من قيادات الحركة لم تكن تستغرب من ذلك الصعود السريع.
الشيخ والذي كان من الشخصيات التي ينبذها الرئيس الراحل ياسر عرفات، كان قد أمر باعتقاله عام 2003، بعد محاولات منه إحداث شرخ داخل حركة فتح والتهجم على قيادات فتحاوية بهدف التسلق على ظهورهم في التنظيم.
فيما أكدت مصادر فتحاوية آنذاك أن أمر الاعتقال الذي أصدره عرفات بحق الشيخ جاء بعد توزيع بيانات في الضفة موقعة باسم الشيخ وكتائب شهداء الأقصى تهاجم قيادات في السلطة الفلسطينية، وقررت على إثرها اللجنة المركزية لحركة فتح تنحية الشيخ من منصبه كأمين سر مرجعية فتح وتعيين محمد لطفي (أبو لطفي) مكانه.
ترقيات بعد خيانات
وعزى عضو المجلس الثوري لحركة فتح فخري البرغوثي، سبب ترقية حسين الشيخ في المناصب القيادية داخل الحركة بخيانته للأسير مروان البرغوثي وشخصيات وطنية أخرى.
وقال البرغوثي في تصريحات صحفية، “حسين نعرفه جيدا في السجون وخارجها، والكل يعرف حقيقته، وكان في طيلة مسيرته يعمل ضد مروان، واستخدمه محمود عباس كذلك للعمل ضد القيادي المفصول من فتح محمد دحلان”.
وأضاف “حسين يعمل لأجل نفسه وفي المواضع التي يريدها الاحتلال منه، وأهم مهمة أنيطت به دائما التآمر على مروان بوصفه مسؤول التنظيم في الضفة وممارسة أعمال غير وطنية بحق المناضلين”.
وتابع البرغوثي:” مهرب جوالات عينوه رئيسا للوطني، في إشارة لروحي فتوح، ومن ينهب التجار والأفراد كحسين الشيخ يعين كذلك”، معلقا بالقول: “قذارة المجتمع تظهر على حقيقتها”.
وشدد على أن حسين لم يكن مقربا في يوم من مروان، “لم يكن يده ولا حتى حذائه”، على حد وصفه، وختم بالقول: “ما أقوله يعرفه كثيرون؛ لكنهم لا يجرؤون على الإفصاح عن ذلك”. ووصف البرغوثي “حسين الشيخ وفريقه بقمامة المجتمع”.
مباركة صهيو أمريكية
وينال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ نائباً لرئيس السلطة الفلسطينية حالة من الإعجاب والرضى لدى الأمريكيين والإسرائيليين لا سيما وأنه يعد من الشخصيات التي تمتلك علاقات واسعة وعلنية مع الاحتلال والأنظمة العربية.
مباركة عربية
وقالت القناة 12 العبرية “أن هذا التعيين يأتي في أعقاب ضغوط عربية كبيرة، وخاصة من جانب المملكة العربية السعودية، على الرئيس عباس خلال القمة العربية الأخيرة في الرياض لتعيين نائب له دون تأخير، فهي (السعودية) معجبة بشخصية الرجل”.
وأضافت: “يثير تعيين الشيخ أيضا معارضة بين قدامى قادة فتح، لكنه في السنوات الأخيرة اكتسب ثقة الرئيس عباس، ويحظى بقبول الولايات المتحدة وإسرائيل، على الرغم من أن بعض دول الخليج مترددة في اختياره”.
وكانت السعودية قد رتبت لقاء بين الشيخ والمبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في يناير الماضي، وذلك ضمن خطوات تمكين السلطة من العودة لقطاع غزة وإقناع الإدارة الأمريكية به ليكون خليفة عباس.
وكشفت مصادر فلسطينية أن الشيخ أجرى لقاءات مكثفة مع مسؤولين إقليميين، بينهم السفير السعودي غير المقيم لدى السلطة بندر السديري، لعرض نفسه كخيار قادر على ضبط الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية.