نشرت جمعية تنمية الزمالك، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، صوراً حديثة كشفت حجم التشوه الذي طال حديقة المسلة التراثية العريقة، الواقعة بحي الزمالك وسط العاصمة القاهرة.

الحديقة، التي يعود تاريخ إنشائها إلى عهد الخديوي إسماعيل (1830–1895)، تمتد على مساحة 12,600 متر مربع، وكانت واحدة من آخر المتنفسات الخضراء الأصيلة في المدينة المزدحمة، ومسجلة ضمن تصنيف الحدائق التاريخية في مصر.

الجمعية حذّرت من أن الحديقة تُحوّلت حالياً إلى منتجع مطاعم لصالح أحد المستثمرين، في انتهاك صريح للدستور وقوانين البيئة، والبناء، وإرشادات الجهاز القومي للتنسيق الحضاري والمجلس الأعلى للتخطيط العمراني، واعتبرت الجمعية ما يحدث "تعدياً على حق المصريين في التراث والمساحات الخضراء"، مطالبة بوقف ما وصفته بعملية "تشويه ممنهجة".
 

من معلم أثري إلى مطاعم فاخرة
   لم تكن حديقة المسلة مجرد مساحة خضراء؛ فقد احتضنت لسنوات طويلة مسلة الملك رمسيس الثاني، قبل أن يتم نقلها عام 2019 إلى متحف مدينة العلمين الجديدة.
وأدرجت الحديقة ضمن سجلات المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز في القاهرة، وفق قرار وزير الإسكان رقم 817 لسنة 2020.

رغم تلك الحماية القانونية، فإن الحديقة لم تسلم من موجة "التطوير" التي تجتاح العاصمة.
في 25 مارس الماضي، حاول مجلس حكومة عبدالفتاح السيسي، امتصاص الغضب الشعبي بنفي الأنباء المتداولة عن أعمال تجريف وهدم في الحديقة، زاعماً أن ما يجري هو "مشروع تطوير شامل" يشمل إنشاء ملاعب تنس (بادل)، ومطاعم، وممشى ترفيهي، ومسرح، وعدد كبير من المحلات والمقاهي.

غير أن الصور الحديثة، وشهادات سكان الزمالك، تقدم دليلاً دامغاً على أن التطوير المزعوم يعني في الحقيقة إزالة الطابع التراثي للحديقة وتحويلها إلى مشروع استثماري تجاري فاخر.
 

من يدير عملية "التطوير"؟
   في أكتوبر الماضي، انتزعت محافظة القاهرة إدارة حديقة المسلة من هيئة إدارة الحدائق، وسلمتها "بالأمر المباشر" إلى شركة تابعة لجهاز المخابرات العامة.

ولاحقاً، تم التعاقد مع شركة "بي إس جي" المملوكة لرجل الأعمال بهجت صبري، والذي يعد من أبرز شركاء المشروعات العقارية والعسكرية، إذ تدير شركته مشروعات كبرى مع الجيش، منها "ذا ووك" التجاري بالعاصمة الإدارية، وسلسلة من المطاعم الراقية المطلة على النيل.

الأمر لا يتعلق فقط بإدارة جديدة، بل بتغيير جوهري لوظيفة الحديقة من مساحة عامة تراثية إلى وجهة استثمارية مغلقة، تُدر أرباحاً ضخمة على حساب البيئة والحق العام.
 

هجمة أوسع على حدائق القاهرة
   ليست حديقة المسلة الحالة الوحيدة؛ ففي سياق أوسع، تتعرض حدائق ومتنزهات عديدة بالقاهرة للهدم أو التغيير الجذري، تحت شعار "التطوير".

فمنذ شهور، وقع مئات من مرتادي حديقة الزهرية في شارع البرج بالزمالك على عريضة إلكترونية، تطالب بوقف قرار إغلاق الحديقة وتسليمها إلى وزارة الدفاع.
وتجاهلت السلطات الدليل الإرشادي لترميم الحدائق التاريخية، الذي يحدد جهات مدنية مختصة (مثل المجلس الأعلى للتخطيط والجهاز القومي للتنسيق الحضاري ووزارات البيئة والزراعة والآثار)، في خطوة وصفت بأنها "عسكرة" للمساحات الخضراء.

بالتوازي مع تآكل الحدائق، تتزايد مشروعات إنشاء محطات وقود ومجمعات مطاعم ومقاهٍ مؤجرة لصالح شركات تعمل مع المؤسسة العسكرية، في تدمير ممنهج للطابع العمراني والبيئي.
 

معركة الدفاع عن الذاكرة والبيئة
   بينما تتسارع وتيرة استبدال الحدائق التاريخية بمشروعات استثمارية، تتصاعد الدعوات من نشطاء المجتمع المدني وجمعيات حماية البيئة لإنقاذ ما تبقى من معالم القاهرة التراثية.
إلا أن هذه الدعوات تصطدم بجدار من الصمت الرسمي والملاحقات القانونية، في وقت أصبح فيه التراث والمساحات الخضراء في قلب معركة وجودية بين من يسعى لحمايتها ومن يسعى لاستثمارها.
 

شاهد:
https://www.facebook.com/share/p/1944R7qdiQ/