شهد عام 2024 تدهورًا حادًا في أوضاع العمال بمصر، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة انعكست بوضوح على مستوى المعيشة وحقوق العمال، وفقًا لتقرير صادر عن لجنة العدالة "كوميتي فور جستس".

وأشار التقرير إلى أن السلطات، بدلًا من البحث عن حلول جذرية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لجأت إلى القمع الأمني والملاحقات الأمنية لاحتواء الحراك العمالي المتزايد، مما أدى إلى تفاقم معاناة العمال وزيادة حدة الاحتقان الاجتماعي.

 

تصاعد الاحتجاجات العمالية وردود الفعل القمعية

رصد التقرير ارتفاعًا ملحوظًا في وتيرة الاحتجاجات العمالية خلال 2024، كرد فعل مباشر على الارتفاع الحاد في الأسعار وتدهور قيمة العملة المحلية وزيادة معدلات التضخم، في المقابل، واجهت هذه التحركات ردود فعل قاسية من قبل السلطات، حيث تم اعتقال عدد من العمال، واستدعاء آخرين للتحقيق، بالإضافة إلى تسريح العديد منهم بشكل تعسفي.

وأورد التقرير أمثلة على ذلك، مثل ما تعرض له عمال شركة "مصر للغزل والنسيج" بمدينة المحلة الكبرى وعمال "وبريات سمنود" من اعتقالات وإخفاء قسري وفصل تعسفي بسبب مشاركتهم في إضرابات تطالب بتحسين الأجور وظروف العمل، كما تم استهداف قيادات نقابية بارزة، مثل القيادي محمود عبد الحميد من نقابة العاملين بالنقل البري بالقاهرة، حيث تم منعه من ممارسة نشاطه النقابي دون أسباب واضحة.

 

تفشي الفصل التعسفي وتضييق الحريات النقابية

أكد التقرير أن العديد من الشركات لجأت إلى فصل العمال كوسيلة لقمع الاحتجاجات العمالية، مستغلة قوانين مثل قانون تحليل المخدرات الذي تم استخدامه لفصل مئات الموظفين، كما حدث مع عمال شركة النيل للطرق والكباري وشركة مياه الشرب بالمنيا.

وفي السياق ذاته، عمدت إدارات بعض الشركات إلى إجبار العمال على إجازات قسرية أو تهديدهم بالفصل، مثلما حدث مع عمال شركة "سيديكو" للأدوية وشركة "الدلتا للسكر"، كما تم تسريح عمال تعسفيًا في شركات كبرى مثل "رؤية" للمقاولات و"موندليز" في الإسكندرية، حيث أجبرت الشركة الأخيرة بعض موظفيها على الاستقالة رغم تجاوزهم 15 عامًا من الخدمة.

 

عدم تنفيذ الأحكام القضائية لصالح العمال

أشار التقرير إلى أن بعض الشركات تتعمد المماطلة في تنفيذ الأحكام القضائية التي تصدر لصالح العمال، مما يعكس ضعف آليات الرقابة والتنفيذ، ومن بين هذه الشركات "سيجما" للصناعات الدوائية، التي رفضت تنفيذ أحكام بإعادة العمال المفصولين إلى وظائفهم.

 

الضغوط الأمنية على العمال والنقابيين

لم يقتصر القمع على الفصل التعسفي، بل وصل إلى الاستعانة بالأجهزة الأمنية لقمع أي تحركات عمالية، كما حدث مع عمال شركة "مطاحن الخمس نجوم"، حيث تم اعتقال بعض العمال وممارسة ضغوط عليهم للتراجع عن مطالبهم الحقوقية.

 

توصيات التقرير لضمان حقوق العمال

في ضوء هذه الانتهاكات، أوصت لجنة العدالة بعدة إجراءات لتحسين أوضاع العمال، من بينها: وقف القمع الأمني ضد العمال، وضمان حقهم في التعبير السلمي عن مطالبهم، وإعادة النظر في القوانين المنظمة لسوق العمل، وتعديل التشريعات التي تُستخدم ذريعة للفصل التعسفي، وتمكين النقابات العمالية المستقلة، ومنحها دورًا فاعلًا في الدفاع عن حقوق العمال بعيدًا عن تدخل الدولة أو أصحاب العمل، وإلزام الشركات بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالح العمال، وفرض عقوبات على الجهات التي تماطل في التنفيذ، وتعزيز الحوار الاجتماعي بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل، لضمان بيئة عمل أكثر استقرارًا وعدالة.