في خطوة نادرة ولكنها ضرورية، قامت مصر بفتح مفيض توشكى لتصريف جزء من مياه بحيرة ناصر، وهي واحدة من أكبر خزانات المياه العذبة في العالم.

تأتي هذه الخطوة في وقت حساس تشهده البلاد، حيث تتزايد الضغوط الناتجة عن التغيرات المناخية المتسارعة والمشاكل المتعلقة بإدارة مياه النيل، خاصة مع استمرار بناء سد النهضة الإثيوبي وتأثيراته المتوقعة على تدفق المياه.

هذه الخطوة تثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه التصرفات على النظام المائي المصري، وما إذا كانت تعكس أزمة محتملة في إدارة الموارد المائية.

ما هو مفيض توشكى؟
يعد مفيض توشكى واحدًا من الأنظمة الهندسية المصرية المخصصة لتصريف المياه الزائدة من بحيرة ناصر. عندما يتجاوز منسوب البحيرة الحدود المأمونة، يتم توجيه المياه الفائضة إلى منخفضات توشكى عبر هذا المفيض.

تم إنشاء هذا المفيض خلال فترة بناء السد العالي في الستينيات كحل وقائي للتعامل مع الكميات الضخمة من المياه التي قد تتجاوز قدرة التخزين في البحيرة، وللحفاظ على سلامة السد والبنية التحتية المرتبطة به.

أسباب فتح المفيض: بين الضرورة والحتمية

1. ارتفاع منسوب مياه بحيرة ناصر
تشير التقارير إلى أن بحيرة ناصر قد شهدت زيادة ملحوظة في منسوب المياه نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت على منطقة حوض النيل في الأشهر الأخيرة، إضافة إلى المياه التي تصرفها إثيوبيا بعد العمليات التي تقوم بها في سد النهضة.

بحيرة ناصر تعتبر المخزن الرئيسي للمياه في مصر، لكن هناك حدود معينة يجب ألا تتجاوزها كمية المياه المخزنة للحفاظ على أمان السد العالي. فتح المفيض جاء كإجراء وقائي لحماية السد من أي ضرر قد ينجم عن الضغوط الناتجة عن المياه الزائدة.

2. عدم استفادة الأراضي الزراعية في توشكى من المياه المصرفة
على الرغم من وجود كميات كبيرة من المياه التي تم تصريفها، فإن الأراضي الزراعية في منطقة توشكى لم تستفد بشكل مباشر من هذه المياه. والسبب في ذلك هو أن هذه الأراضي تعتمد على نظام ري مختلف يعتمد على محطات ضخ تعمل مباشرة من السد العالي، ما يعني أن المياه المصرفة عبر مفيض توشكى لا تصل إلى هذه الأراضي.

تأثير إثيوبيا وسد النهضة على الوضع المائي

1. التحكم الإثيوبي في مياه النيل
منذ بدء إثيوبيا بناء سد النهضة، أصبحت هي المسيطرة بشكل كبير على كميات المياه التي تتدفق إلى مصر عبر النيل الأزرق. هذا التحكم يؤثر على مصر والسودان بشكل كبير، خاصة خلال فترات الملء والتصريف. تشير التقارير إلى أن إثيوبيا فتحت بوابات سد السرج (السد المساعد لسد النهضة) مؤخرًا لتصريف حوالي 4 مليارات متر مكعب من المياه نتيجة لمشكلات هيكلية قد تواجهها. هذا الأمر يزيد من الضغوط على مصر ويؤثر على استراتيجياتها في إدارة مواردها المائية.

2. سد السرج: التحدي الإثيوبي الجديد
سد السرج هو سد فرعي مخصص لتخزين المياه الزائدة خلف سد النهضة. ومع تصاعد الشكوك حول وجود مشاكل في هذا السد، قد تضطر إثيوبيا إلى تصريف كميات كبيرة من المياه للتخفيف من الضغط على الهيكل. هذا الأمر يمكن أن يزيد من تدفقات المياه المفاجئة إلى مصر والسودان، مما يستلزم تدابير سريعة للتعامل مع هذه الكميات غير المتوقعة.

التحديات المصرية في إدارة الموقف

1. التقلبات المناخية وتغير تدفقات المياه
تتعامل مصر مع تقلبات كبيرة في منسوب مياه النيل، حيث تعتمد تدفقات المياه بشكل متزايد على قرارات الدول المتحكمة في منابع النيل. التصرفات الأحادية الجانب من إثيوبيا فيما يخص سد النهضة تجعل إدارة المياه في مصر أكثر تعقيدًا، حيث يجب اتخاذ قرارات طارئة مثل فتح مفيض توشكى لتجنب حدوث أي أضرار جسيمة.

2. التأثير على الزراعة والمجتمعات المحلية
تعد الزراعة في مصر واحدة من أكبر القطاعات التي تعتمد على مياه النيل. أي تقلبات في تدفقات المياه أو تقليل الكميات المتاحة يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الإنتاج الزراعي، وبالتالي على الأمن الغذائي في البلاد. فتح مفيض توشكى قد يخفف من الضغوط الفورية، لكنه لا يحل المشكلة على المدى الطويل إذا استمرت التحديات المرتبطة بسد النهضة.

مخاطر مستقبلية: هل هناك أزمة مائية تلوح في الأفق؟
فتح مفيض توشكى يبرز كمؤشر على الضغوط المتزايدة التي تواجهها مصر في إدارة مواردها المائية. ومع وجود تحديات كبيرة متعلقة بالتغيرات المناخية والنزاعات الجيوسياسية حول مياه النيل، يمكن أن تواجه مصر صعوبات متزايدة في المستقبل. من المهم أن تستمر الحكومة المصرية في تطوير حلول مستدامة وتوسيع التعاون الإقليمي والدولي لتجنب حدوث أزمات مائية أعمق.