كان لتصريحات رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، يوم الأربعاء الماضي - والتي قال فيها إن الجنيه مقوّم بأقل من قيمته، ومع زيادة الاستثمارات ستحدث انفراجة وستختفي أزمة العملة وسيعود الجنيه لقيمته الحقيقية – أثرها على البنك المركزي بشأن تثبيت سعر الفائدة ليلقي بظلاله على مسار الجنيه خلال الفترة القادمة.

 

فجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء

وكانت توقعات عدد من بنوك ومؤسسات دولية تشير إلى تراجع الجنيه خلال شهر يونيو القادم، أو بالتزامن مع قرار الفائدة، ولكن حكومة الانقلاب لم تتخذ هذا القرار رغم اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والسعر بالسوق السوداء والعقود الآجلة.

ومع ذلك، يبدو أن السلطات المالية تخطط لخفض هذه الفجوة السابق ذكرها عن طريق أدوات أخرى بخلاف تخفيض السعر الرسمي أمام العملات الأجنبية، حيث ظهر هذا جليًا في الاضطرابات التي شهدتها السوق السوداء للدولار خلال الأيام الماضية، بجانب تراجع الجنيه في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم.

ويبقى السؤال: هل تشير هذه العلامات على أن البنك المركزي يرغب في تقليل الفجوة أولًا ثم إجراء تخفيض طفيف للسعر الرسمي؟ وذلك بدلًا من ترك الفجوة متسعة وإجراء تخفيض حاد قد يقفز بنسب التضخم مجددًا، ومن هذا المنطلق يمكن تفسير الإجراءات التي تم اتخاذها خلال الأسابيع القليلة القادمة.

 

السوق السوداء تزداد ضعفًا

اكتسبت السوق السوداء في مصر للدولار خلال الفترة الماضية مزيدًا من القوة بفعل التوقعات السلبية بشأن تراجع الجنيه الفترة القادمة، وذلك باعتبارها تنشط في هذه الأوقات، مما يؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الحكومة المصرية حاليًا.

وفي ظل هذه التطورات، جاء الرد سريعًا من عدد من كبار التجار في مصر بالاتفاق على التوقف عن شراء الدولار تمامًا من السوق السوداء لمدة شهر واحد.

وجاءت هذه الخطوة التي بدأتها رابطة تجار السيارات، ثم لحقت بها رابطة الرخام ورابطة تجار المواد الغذائية، بعد أن وصل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه لأرقام قياسية تخطت الـ 40 جنيهًا مقابل الدولار، وفقًا لـ"investing".

وقال الدكتور علاء رزق، الخبير الاقتصادي، "إن من أهم أسباب التوقعات بعدم تعويم الجنيه هو الالتزام بسداد أي مطالبات مالية على الحكومة المصرية للدائنين الدوليين، وإصرار الحكومة أيضًا على ألا يزيد العجز في الموازنة العامة للدولة عن 6.5%، بجانب استقرار نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي وقد انعكس ذلك كله على جدية البنك المركزي في تطبيق سعر صرف مرن ضمن شروط الاتفاق الحصول على 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي".

 

هل تنحسر فجوة الدولار؟

تراجع الدولار أمام الجنيه في آخر قراءة للعقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة شهر إلى حوالي 31.8 للدولار وبنسبة 2.4%، وذلك بعد أن تخطت الـ 35 في وقت سابق، وهو أدنى مستوى وصل له الدولار أمام الجنيه منذ مارس.

وفي الوقت نفسه، تراجع الدولار أمام الجنيه أيضًا بالسوق السوداء إلى ما دون الـ 40 جنيهًا للدولار الواحد بعدما تم تجاوز هذا المستوى خلال الأيام القليلة الماضية، حيث يتم تداوله الآن حول مستويات الـ 37 جنيهًا للدولار الواحد. متأثرًا بالقرارات التي تم اتخاذها مؤخرًا، بجانب تصريحات حكومة الانقلاب في محاولة منها لطمأنة للمستثمرين، إضافة للتقارير الاقتصادية التي تفيد بعدم تراجع الجنيه في القريب العاجل.

وأكدت وزيرة التخطيط، هالة السعيد، أن سبب الضغط على الدولار يرجع إلى الارتفاع الشديد في أسعار المواد الإستراتيجية وزيادة فاتورة الاستيراد التي مثلت ضغطًا شديدًا على ميزانية الدولة.

وأضافت هالة، أن الدولة اتخذت أكثر من حل لمعالجة الأزمة مثل زيادة إيرادات السياحة بنسبة 25%، وزيادة إيرادات قناة السويس بنسبة 30%، بجانب تقليل الواردات بنسبة 34%.

فيما أشار بنك "سيتي جروب" في تقريره الصادر، الأسبوع الماضي، إلى أن البنك المركزي من المرجح أن يؤجل قراره بشأن تخفيض الجنيه على الأقل حتى نهاية الشهر المقبل. حيث يأتي هذا التوقع عكس الرهانات الأخرى التي ترجح انخفاض الجنيه في القريب العاجل، وذلك وفق ما أفادت به وكالة بلومبيرج.

وفي هذا الإطار، أشار بنك جولدمان ساكس إلى أن أسباب عدم اتجاه حكومة الانقلاب تطبيق سعر صرف أكثر مرونة خلال الأسابيع الأخيرة يرجع إلى عدم جدوى المزيد من التخفيضات في حل الاختلالات الخارجية مع انخفاض قيمة الجنيه بالفعل.

ويرجح البنك أن تظل الواردات عند المستويات الحالية، وبالتالي سترتفع تكلفة الواردات وستسهم في تقييد الوصول إلى العملات الأجنبية. كما أنه يستبعد "أن يؤدي المزيد من خفض قيمة العملة إلى تحسين المعروض من العملات الأجنبية". لكنه يقول "إن الدخول في دوامة تضخم قد تكون أحد أسباب عدم قيام الحكومة باتخاذ خطوات لتطبيق سعر صرف مرن"، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق مع بلومبيرج".

 

تداعيات مؤلمة

في الوقت نفسه، فإن استمرار الأوضاع الحالية دون تغيير، يعني تحول تدفقات العملات الأجنبية بعيدًا عن السوق الرسمية، ويشمل ذلك تحويلات المصريين المغتربين في الخارج، كما أنه يشجع الممارسات السيئة مثل الإفراط في فوترة الواردات الصادرات بأقل من قيمتها، وفقًا لتقرير "جولدمان ساكس"، الذي أشار إلى أن سوق العملات الأجنبية الموازي المزدهرة تسير عادة جنبًا إلى جنب مع اقتصاد مواز مزدهر.

من التداعيات أيضًا، غياب تكافؤ الفرص في السوق، إذ أن صعوبة الوصول إلى عملات أجنبية عبر القنوات الرسمية سيسمح لبعض الفئات بالحصول عليها دون الآخرين، ما يشوه المشهد التنافسي، وفق التقرير.

كما أشار "غولدمان ساكس" إلى أن استمرار الوضع الحالي يثبط الاستثمار المحلي والأجنبي أيضًا. وقال: "كلما ازدادت أهمية السوق الموازية كمصدر للعملات الأجنبية للتجار، زاد احتمال أن يتم تحديد الأسعار المحلية بواسطة سعر السوق الموازي بدلًا من السعر الرسمي.. وهذا يعني ضياع ميزة محتملة تتمثل في الحفاظ على عملة قوية نسبيًا".