أعلن محافظ البنك المركزي، حسن عبدالله، أن "تركيز البنك المركزي في الفترة الحالية هو السيطرة على التضخم ونعمل على أكثر من محور، ويراقب المستجدات كافة من تحركات البنوك المركزية العالمية واستمرارها في رفع الفائدة، وكذلك خروج الأموال الساخنة، إضافة للمعروض النقدي"، كاشفًا عن إعداد مستهدفات جديدة للتضخم خلال السنوات المقبلة قبل نهاية العام الحالي.
وتابع - خلال رئاسته الجلسة الرابعة بعنوان "التضخم والسياسات النقدية" في اليوم الأول للمؤتمر الاقتصادي الذي عُقد بالعاصمة الإدارية الجديدة مؤخرا– أن البنك المركزي يعتزم إطلاق متوسط آمن من وجهة نظره لمستوى التضخم خلال الربع الأخير من العام الحالي 2022 يدور في فلك الزيادة والنقصان عن 7%، وهو مما يعني إمكان وصول معدل التضخم إلى 9% أو الهبوط إلى 5%، وفقًا لـ"إندبندنت عربية".
البنك المركزي يتوقع ارتفاع معدل التضخم
وتوقع البنك المركزي أن تؤدي الزيادة في الأسعار العالمية والمحلية إلى ارتفاع معدل التضخم العام، عن المستهدف من قبل البنك، البالغ 7 في المائة بزيادة أو نقصان 2 في المائة، في المتوسط خلال الربع الأخير من العام الحالي 2022.
وكان البنك قد رصد ارتفاع معدل التضخم في سبتمبر الماضي، بنحو 15%. وأشارت لجنة السياسات النقدية إلى أن الهدف من رفع أسعار العائد، احتواء الضغوط التضخمية الناجمة عن جانب الطلب، وقد ارتفع معدل نمو السيولة المحلية، والتوقعات التضخمية والآثار الثانية لصدمات العرض، وفقًا لـ"العربي الجديد".
وبينما أشارت لجنة السياسات النقدية في بيانها إلى أنها تعمل على خفض معدلات التضخم، ليصل إلى نسب مستقرة على المدى المتوسط بما يدعم الدخل الحقيقي للمواطن ويحافظ على مكاسب التنافسية للاقتصاد، يؤكد خبراء أن قرارات اللجنة في مجملها ستؤدي إلى موجة غلاء جديدة، غير محدودة السقف الزمني، ولا القيمة في ظل، مع عدم القدرة على التنبؤ بقيمة الجنيه، وفقًا للسياسات الجديدة للبنك المركزي.
زيادة التضخم والأعباء المالية على المواطنين
وقالت عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، سمر عادل، إن تبعات القرار ستكون مزيدًا من التضخم والركود والأعباء المالية على المواطنين، وإن لم يزد التصدير والسياحة ستتدهور العملة المصرية بشكل أكبر، بحسب تعبيرها.
وتوضح عادل أن "خفض قيمة العملة ليس مفيدًا في دولة مثل مصر، تستورد أكثر مما تصدر، على عكس دولة مثل الصين".
ورفعت مصر قيمة الفائدة على الإيداع والإقراض بنسبة 3% على مرتين هذا العام، في محاولة لكبح جماح موجات التضخم، قبل أن يقرر البنك المركزي تثبت السعر في آخر اجتماعين دوريين لمراجعة الفائدة، آخرهما الشهر الماضي.
التعويم الثالث سيؤدي إلى ضغوط تضخمية إضافية
وارتفع التضخم لأسعار المستهلكين في مصر إلى 15% خلال سبتمبر الماضي، مقابل نحو 14.6% خلال أغسطس، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبقرار التعويم الجديد الذي بلغت نسبته حوالي 16%، تصل نسبة انخفاض الجنيه أمام الدولار خلال العام الحالي 46%، حيث جرى خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار في مارس الماضي بنسبة 16%، واستمر الانخفاض التدريجي خلال الشهور التالية بحوالي 8%، حتى الخفض الذي جرى أول أمس الخميس.
ويرى بعض الاقتصاديين أن تأثير التضخم بعد التعويم الثالث للجنيه سوف يكون أقل من التعويم الأول، لأن المصريين بالفعل يشترون السلع بأسعار مقومة بسعر مرتفع للدولار، وبالتالي فالتعويم الرسمي لن يضيف الكثير من الآثار التضخمية لأنها موجودة أصلًا.
ولكن هذا ليس بالضرورة يجب أن يكون دقيقًا، لأنه ما زالت هناك سلع أساسية عديدة في السوق المصري كانت مسعّرة على أساس السعر الرسمي الذي يبلغ 19.5 جنيه مقابل الدولار، وفقًا لـ"عربي بوست".
ويعني هذا أن التعويم الثالث قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية إضافية وهي ضغوط سوف تتعلق في الغالب بالسلع الأكثر ضرورية (والتي كانت الدولة توفر الدولار اللازم لاستيرادها بالسعر الرسمي) وكذلك السلع محلية الصنع (حيث كانت الدولة توفر جزئيًا الدولار لمستلزمات الإنتاج بالسعر الرسمي).
فبينما أثر التضخم الذي حدث في الأشهر الماضية في السلع المرتبطة بالطبقة الوسطى والغنية بشكل أكبر، فإن التضخم الناتج عن التعويم الثالث للجنيه المصري سوف يمس في الأغلب السلع الضرورية للمواطن البسيط، كما أنه يتوقع أن يتوسع ليشمل الخدمات، مثل إيجارات المنازل، وغيرها.
التضخم سيزيد حتى لو لم يحرر الجنيه
ويتوقع مدرس الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، هاني جنينة، أن تصل مدة الآثار التضخمية إلى سنة ونصف السنة.
لكن جنينة يلفت إلى أن تلك التبعات التضخمية هي أقل مما كانت ستصبح عليه إذا لم تتخذ الإجراءات الأخيرة واستمر شح الدولار في السوق المصري، موضحًا: "شح الدولار يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإغلاق المصانع وقلة الدخل، بينما سيزيد توفر الدولار من دخول المواطنين ما يمكنهم من مواجهة التضخم".
ويتابع جنينة في تصريحاته لـ "BBC" قائلًا: "لو كانت الحكومة مستمرة في الحفاظ على سعر صرف الدولار القديم فسوف تستنزف احتياطيها النقدي لأنها تعوض فرق السعر".
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تراجعت موارد النقد الأجنبي لمصر من الصادرات والسياحة وخرج نحو 20 مليار دولار مما تعرف بـ"الأموال الساخنة". ووصل الدين الخارجي لمصر إلى نحو 156 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي.
ويعد نقص الدولار المطلوب في مصر هو عرض لمشكلة أساسية تتمثل في ضعف ما يسمى بالاستثمار الأجنبي والمحلي الحقيقي الذي يعتمد على الزراعة والصناعة والتصدير. وإلغاء الاعتمادات المستندية لتمويل الاستيراد الذي قرره البنك المركزي المصري سيساعد التجار والصناعيين الذين لطالما شكوا في السابق من تقييده للعمليات التجارية، وتسببه في نقص المواد الخام المستوردة.
وسجل الاحتياطي النقدي لمصر نحو 33 مليار دولار أمريكي في نهاية سبتمبر الماضي. ويدرس البنك المركزي إطلاق مؤشر جديد للجنيه يقيس مستوى العملة المصرية أمام عدد من العملات الأجنبية والذهب، دون التقيد بالدولار وحده.