يحتفي العالم، الثلاثاء، باليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري، وسط استشراء هذه الجريمة إبان عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والتي تعاني من تتالي انتهاكات حقوق الإنسان بحسب المنظمات الدولية والمحلية.

وقالت والدة الشاب المصري المختفي قسريا، محمود القدره (29 عامًا)، "ابني مختف منذ 13 أكتوبر 2019، حتى الآن، لا أعرف مكانه، 3 سنوات وقلبي وجعني عليه، ارحمونا، نفسي أشوفه، قبل ما أموت وآخده في أحضاني"، وفق ما نقلته "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان".

ويوافق الثلاثاء، اليوم الدولي لضحايا الإخفاء القسري، والذي أقرته عام 2010 الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليكون 30 أغسطس من كل عام.

والإخفاء القسري، هو الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص المختفي من حريته أو إخفاء مصيره أو مكان وجوده.

وراء الشمس

وفي مصر، يحل هذا اليوم وسط معاناة وآلام آلاف المصريين الذين تعرضوا لجريمة الإخفاء القسري، أو اختفائهم "وراء الشمس"، والتي كانت سببا في معاناتهم النفسية وإصابتهم بالعديد من الأمراض الجسدية، بل ووفاة البعض منهم تحت سطوة التعذيب في مقار الإخفاء القسري، آخرهم الشيخ عزت غريب بمحافظة الشرقية منتصف أغسطس الجاري.

كما تحل تلك الذكرى في ظل معاناة مئات الأسر مع استمرار اختفاء عائلها أو أحد أبنائها لسنوات، بسبب الجريمة التي يصعب توثيقها ورصد الأعداد الحقيقية للذين تعرضوا لها، نظرًا لتعتيم النظام عليها، وخوف الكثير من الأسر من البوح بما تعرض له ذووهم.

وأشهر من تعرضوا للاختفاء القسري وما زالت أسرته تناشد المسؤولين الأمنيين بالإفصاح عن مكانه أو إطلاق سراحه الطبيب والنائب البرلماني السابق مصطفى النجار منذ 28 أيلول 2018، وذلك إلى جانب قضية اختفاء الشابة زبيدة التي كشفت عنها والدتها أم زبيدة، وكان مصيرها هي الأخرى الاعتقال في فبراير 2018.

ومن الحالات المؤلمة للمختفين قسريًا والتي يتداولها حقوقيون، الطالب بالصف الثاني الثانوي عبد الرحمن الزهيري (17 عامًا) والمختفي قبل 3 سنوات، إثر اعتقاله من حي "الدرب الأحمر" بالقاهرة، 29 أغسطس 2019، ما اعتبره حقوقيون "نموذجًا فاضحًا لبطش السلطات".

113 مختفيًا

منظمات دولية وحقوقية تبارت في الكشف عن جرائم الإخفاء القسري وتوثيقها، إذ قالت "منظمة العفو الدولية" 4 مارس 2021: "لدى السلطات المصرية سجل طويل قاتم من الإخفاء القسري والتعذيب لأشخاص تعتبرهم معارضين للحكومة أو منتقدين لها".

وفي هذه المناسبة رصدت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، نحو 113 اسمًا لمختفين قسريًا ما بين أطفال وشباب ونساء وشيوخ، رصدت ووثقت ملابسات اعتقالهم تعسفيًا وإخفائهم قسريًا، ما زالوا رهن الجريمة منذ سنوات.

قالت الشبكة في تقريرها، إن الإخفاء القسري جريمة طالت آلاف المصريين، وأصبحت تشكل منهج حياة وأسلوبا لتعامل أجهزة الدولة مع المصريين، مؤكدة أنها تشكل انتهاكا خطيرا للدستور والقانون المصري والقانون الدولي، وترقى لمصاف الجرائم ضد الإنسانية.

وترى المنظمة الحقوقية أن آلاف المختفين قسرا قد ظهروا بعد فترات من اختفائهم، حيث تم التحقيق معهم، لكنهم كانوا محظوظين رغم مرارة التجربة وقسوتها، بالمقارنة بمن بقوا رهن الإخفاء القسري، بعضهم منذ العام 2013 وحتى الآن.

أرقام صادمة

وفي مثل هذا اليوم من العام الماضي، قدر "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، أعداد المختفين قسريا منذ 2013 وحتى 2021، بنحو 12 ألفًا و384 شخصًا، قتل 61 منهم خارج إطار القانون.

والعام الماضي، قالت منظمة "كوميتي فور جستس"، إن نسبة انتهاكات الإخفاء القسري وصلت 14% من إجمالي 13 ألف انتهاك حقوقي رصدتها عام 2020.

ورصدت المنظمة نحو 1917 حالة اختفاء قسري في 2020، وثقت 155 منها، فيما رصدت في تقريرها عن يناير وحتى يونيو 2021، نحو 807 حالات اختفاء وثقت 114 منها.

وفي مارس الماضي، رصد "مركز النديم لحقوق الإنسان"، 56 عملية إخفاء قسري في يناير الماضي، و43 في فبراير الماضي، وظهور 116 شخصًا بعد اختفاء، فيما وثق المركز 431 حالة إخفاء، و867 حالة ظهور في 2021.

وتشير الشواهد والأرقام الحالية، إلى أن النظام يواصل خلال العام 2022، جريمة الإخفاء القسري التي وصفها موقع "ميدل إيست مونيتور"، بأنها "أداة حكومية بوليسية للقضاء على المعارضين".

وخلال أغسطس الجاري، رصدت منظمة نجدة لحقوق الإنسان، ظهور 114 مختفيًا قسريًا بنيابات القاهرة، وحدها حتى أمس الاثنين، وظهور نحو 159 مختفيًا في يوليو الماضي، بنيابات أمن الدولة العليا بالقاهرة فقط.

هنا الخطورة

وقال رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، محمد زارع، إن "خطورة الإخفاء القسري تكمن في إنكار وجود الشخص وبالتالي حرمانه من كل حقوقه القانونية، وفقدانه الضمانات التي تكفل عدم تعرضه للتعذيب أو حياته للخطر".

وأكد أنها "جريمة ضد الإنسانية ولا تسقط بالتقادم، ويمكن مطاردة مرتكبيها بالمحكمة الجنائية الدولية"، موضحا أن "العالم لا يستهين بالجريمة لأنها تنزع عن الإنسان الحماية خلال وجوده بالأماكن التابعة للأجهزة الأمنية"، وفقًا لـ"عربي21".

وأعرب زارع عن أسفه من توغل الظاهرة بمصر منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، موضحًا أنه كان شاهدًا على مأساتها خلال عمله كمحام عن بعض المختفين قسريًا.

وأوضح أن "السلطات الأمنية تقبض على مصريين دون اتهام محدد، وتبقيهم فترات دون العرض على النيابة ما يعتبر فترة احتجاز غير قانونية"، مبينا أنه لتلافي الظاهرة "يجب أن تكون عملية إيقاف الأشخاص وفق أوراق قانونية وإحالتهم للنيابة مباشرة".

وأشار زارع، لوجود حالات كثيرة، أشهرها "مصطفى النجار، الذي اختفى بعد القبض عليه بأسوان جنوب البلاد".

وأكد زارع أن "الإخفاء مجرّم بالقانون المصري، الذي يقول إن كل من يقبض عليه لا بد أن يعامل بما يحفظ كرامته ولا يجوز إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا"، مشددًا على ضرورة أن يكون "إيقاف الأشخاص بأوراق قانونية وبقرار من النيابة أو القاضي، لأن الإخفاء القسري انتهاك للدستور، وللمواثيق الدولية".

ورغم الإقرار العالمي لـ"الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الإخفاء القسري"، في ديسمبر 2006، إلا أن مصر لم توقعها حتى الآن.

ويرفض القانون المصري الجريمة حيث ينظم قانون الإجراءات الجنائية رقم (150) لسنة 1950، والمعدل 5 سبتمبر 2020 في مادتيه (40) و(41)، عدم جواز احتجاز المتهم إلا في الأماكن المخصصة لذلك.

اختفاء ثم إعدام

ومن جانبه، لفت مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان الحقوقي، هيثم أبوخليل إلى أن الكثير من القضايا تسبب الإخفاء القسري في صدور أحكام قاسية بحق المعتقلين بها، مشيرا إلى قضيتي اغتيال النائب العام هشام بركات، وعرب شركس.

وقال أبو خليل إن "المعتقلين بالقضية الأولى تحدثوا للقاضي عن جريمة إخفائهم وانتزاع الاعترافات منهم خلال الإخفاء، وأن المعتقلين بالثانية جرى اعتقالهم قبل أحداث القضية وتم إخفاؤهم قسريًا قبلها بـ4 و5 أشهر، ومع ذلك نُفذ بهم حكم الإعدام".

وأوضح أبوخليل أن "الإخفاء القسري عاد مجددًا منذ تولي وزير الداخلية مجدي عبد الغفار 6 آذار 2015، حيث انتهج بعد توليه بـ3 أيام التصفية الجسدية والاغتيالات والقتل خارج إطار القانون والإخفاء القسري، الذي اتبعه النظام النازي لأول مرة بالحرب العالمية الثانية".

وعن أعداد المختفين، أكد أبوخليل، أن "هناك بلاغات كثيرة جدًا"، موضحًا أنه "ليس هناك مركز حقوقي لديه إحصاءات دقيقة لعدم إبلاغ الأهالي"، ومبينًا أن "عدد المختفين زاد بعهد وزير الداخلية الحالي محمد توفيق، في مخالفة للقانون والدستور والقانون الدولي".

وأشار الحقوقي المصري إلى أن أهم حالات الإخفاء القسري هي "البرلماني مصطفى النجار، والطيار أدهم حسنين الذي ظهر قبل يومين بعد اختفاء لأكثر من عام".

أسوأ من القتل

وقالت مديرة "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، الحقوقية هبة حسن، إن "الإخفاء أسوأ ما ترتكبه أنظمة الطغاة من انتهاكات، وربما أسوأ من القتل، فهو يمثل عزلًا عن المجتمع وتلاعبا بمشاعر وأعصاب آلاف الأسر فلا هم عرفوا بحياة أبنائهم من عدمها، حتى أصبح فقدان الأمل ترفًا لا يملكونه".

وأوضحت حسن أن "النظام يمارس الجريمة تصاعديا منذ 2013، وبدأ بحالات فردية لتصبح الآن الأصل مع أي اعتقال وقضية"، معتبرة أن "قضية النائب العام المساعد (٦٤ عسكرية) أبرز القضايا التي كان الإخفاء فيها قاعدة أساسية"، وفقًا لـ"عربي21".

ولفتت إلى أنه "جرى اعتقال وإخفاء بعض المتهمين قبل أشهر من حدوث الجرائم التي تم إلصاقها بهم، كما تعرض أغلبهم للإخفاء لفترات وصلت شهورا ليظهروا لاحقا بأوضاع مزرية ويعترفوا بما لم يرتكبوه، ليعودوا بعدها لينكروها ويرووا ما تعرضوا له، وهو ما لم يحمهم من أحكام قاسية بحقهم".

وأعربت حسن عن أسفها من أن "ما تملكه المنظمات الحقوقية من رصد وإحصاءات قليل جدا مقارنة بالواقع، وسط التعتيم الحاصل، وخوف الأهالي من الحديث عن أبنائهم المختفين؛ ولكن بالسنوات السابقة تخطت أعداد المختفين الآلاف، ومنهم من تعدت فترة إخفائه 9 سنوات".

وتحدثت عن بعض الحالات منها، "الدكتور محمد السيد، الذي اعتقل من أمام عيادته، وخالد عز الدين الذي لم تفقد زوجته حنان الأمل في وجوده ولم تتوقف عن البحث عنه، رغم تعرضها لأذى وضغوط وصلت لحد اعتقالها لشهور".

وقالت حسن: "ما يرويه المختفون عند ظهورهم يعبر عن بشاعة الجريمة، فبجانب انقطاعهم عن العالم والخوف والفزع من تواجدهم بأماكن لا يعرفونها ولا يعرف عنهم فيها أحد؛ تتضاعف الضغوط بتعرضهم للتعذيب والضرب والإيذاء المادي وإجبارهم على الاعتراف بما يريده المحققون والإرهاب النفسي، والحرمان من النوم والطعام، والتهديد بالأهل".