ممدوح الولي:


انفرد موقع الجزيرة مباشر قبل ثلاثة أسابيع بنشر بلوغ قيمة العجز في ميزان المدفوعات المصري 7.3 مليارات دولار -وهو عجز غير مسبوق- خلال الربع الأول من العام الحالي في ضوء نشر البنك المركزي بيانات هذه الفترة يوم الاثنين الماضي.


ومن المهم استعراض تلك التفاصيل لسببين، أولهما أن ميزان المدفوعات المتعلق بمدفوعات ومتحصلات اقتصاد أي دولة مع العالم الخارجي، يبين مواضع القوة والضعف داخل قطاعات الاقتصاد، ويكشف عن الأوجاع المزمنة في الاقتصاد، وثانيهما أن الصورة السلبية التي أظهرتها البيانات أتصور أنها من الأسباب الرئيسية لإقالة محافظ البنك المركزي، وليس كما قيل إنه تقدم باستقالته.


فهذا الكلام سبق قوله مع المحافظ الأسبق هشام رامز، رغم أنه لم يرغب في ترك منصبه قبل موعد فترته بعام كامل، كما أتصور أن الإقالة يمكن أن تفتح مجالا لتجربة أساليب جديدة لمواجهة المشاكل الحالية النقدية، بعد ثبوت عدم نجاح طريقة المحافظ السابق في مواجهتها.


ولذا أتصور مرة أخرى أن الإقالة وجدت ترحيبا من كثير من المصرفيين، خاصة من كفاءات قام المحافظ بإبعادها مثل حسن عبد الله الرئيس التنفيذي السابق للبنك العربي الأفريقي الدولي، وهشام عز العرب الرئيس السابق للبنك التجاري الدولي، وهشام رامز المحافظ الأسبق الذي عينه عامر نائبا لرئيس البنك التجاري الدولي، وليس رئيس بنك كما جرت العادة مع محافظي المركزي السابقين، وهو الأمر الذي تم تداركه بعدها بشهور عديدة.


الترحيب بالقرار


كما أتصور أن القطاع الإعلامي رحب بالإقالة، بعد تسبب المحافظ السابق في حبس الرئيس السابق لجريدة البورصة مدة 11 شهرا، بسبب نشر الموقع الإلكتروني للجريدة خبرا عن الاحتياطي من العملات الأجنبية تم حذفه بعد ثلث ساعة استجابة لطلب مكتب المحافظ، كما يشارك في الترحيب بالإقالة كثير من رجال الأعمال الذين تعطلت مصالحهم بسبب القيود الاستيرادية، التي أدت إلى تراجع قيمة الصادرات في شهر مايو/أيار الماضي عما كانت عليه في الشهور السابقة من نفس العام.


الاقتصاد المصري في أرقام


وتشير بيانات ميزان المدفوعات المصري للربع الأول من العام الحالي، إلى بلوغ موارد النقد الأجنبي 51.2 مليار دولار بينما بلغت المدفوعات للخارج 58.4 مليار دولار، مما أسفر عن عجز بلغ 7.35 مليارات دولار، وهي قيمة فصلية للعجز غير مسبوقة تاريخيا رغم حجم الاقتراض غير المسبوق أيضا خلال تلك الفترة، حيث تشير مكونات الموارد إلى تصدر القروض والودائع الأجنبية خاصة الخليجية بقيمة 17.1 مليار دولار، منها 13 مليار دولار من دول الخليج، 5 مليارات منها جاءت من السعودية و5 مليارات من الإمارات، و3 مليارات دولار من قطر.


وقد بلغت تحويلات المصريين العاملين بالخارج 8 مليارات دولار، والاستثمار الأجنبي المباشر في الداخل 7.8 مليارات دولار، والصادرات السلعية غير البترولية 6.6 مليارات دولار من مختلف المصنوعات والسلع الغذائية والزراعية.


كما بلغت عائدات الصادرات البترولية من الخام والمشتقات الغازية 5.1 مليارات دولار، والسياحة 2.4 مليار دولار، وعائدات المرور بقناة السويس 1.7 مليار دولار، ومتحصلات الخدمات الأخرى من خدمات مالية وتأمينية وتعليمية وصحية ومحاسبية وقانونية وتشييدية وبنائية وثقافية وترفيهية 905 ملايين دولار.


وبلغت متحصلات الحكومية من الرسوم التي يدفعها المصريون بالخارج في القنصليات مقابل خدمات السجل المدني والجوازات والتجنيد وما أشبهها 768 مليون دولار، وخدمات النقل المقدمة للطائرات والسفن الأجنبية بالموانئ والمطارات المصرية 641 مليون دولار.


وعلى الجانب الآخر توزعت المدفوعات المصرية للخارج في نفس الفترة بين: 20.5 مليار دولار للواردات السلعية غير البترولية من حبوب وسيارات ولحوم ووقود وملابس وهواتف وغيرها، و14.8 مليار دولار قيمة مبيعات الأجانب لأذون وسندات الخزانة المصرية، وهو ما سمي بخروج الأموال الساخنة، وحوالي 7 مليارات دولار سدادًا لأقساط القروض، و4.2 مليارات دولار عوائد للاستثمارات الأجنبية بمصر وفوائد الدين الخارجي أيضا.


وهناك 3.7 مليارات دولار للاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من مصر، و3.1 مليارات دولار واردات من البترول من الدول الخليجية والغاز الطبيعي من إسرائيل، و1.5 مليار دولار للمدفوعات الخدمية غير المتعلقة بالسياحة والنقل كالخدمات المالية والتأمينية والصحية والتشييدية والبنائية وغيرها.


كما شملت المدفوعات 1.2 مليار دولار للسياحة الخارجة من مصر شاملة رحلات العمرة، و814 مليون دولار لخدمات النقل التي تتلقاها الطائرات والسفن المصرية بالموانئ الخارجية، و128 مليون دولار للمعونات التي قدمتها مصر لدول أخرى منها دول أفريقية، بعد أن أصبحت المعونات التي تقدمها مصر للخارج أكثر مما تتلقاه من معونات خلال العامين الأخيرين.


وتشير الأرقام السابقة إلى عدة أمور بالغة الأهمية، أولها أن العجز الحقيقي يتطلب إضافة رقم المسحوبات من القروض البالغة 17 مليار دولار، إلى رقم العجز بميزان المدفوعات البالغ 7 مليارات دولار ليصل إلى 24.4 مليار دولار، مما ينفي رواية نائب محافظ البنك المركزي الأخيرة عن حجم الفجوة الدولارية وتقليله لحجمها، حين ذكر أنها انخفضت من 3.9 مليارات في فبراير/ شباط الماضي إلى 400 مليون دولار في شهر يوليو/تموز.


الأمر الثاني أن القروض والودائع الأجنبية شكلت نسبة 33.5% من إجمالي الموارد، وبإضافة تحويلات المصريين العاملين البالغ نصيبها النسبي 15.5%، تصل نسبة الموردين معا إلى 49% من الموارد، رغم عدم بذل جهد في كليهما، وهو ما يعني من ناحية أخرى ضعف النصيب النسبي لباقي الموارد التسعة، فقناة السويس التي زادت عوائدها بعد حرب أوكرانيا، وزيادة ناقلات النفط والغاز الخليجية المتجهة إلى أوربا كان نصيبها النسبي 3.3% من إجمالي الموارد.


وإذا كانت قيمة الصادرات البترولية والغازية قد بلغت 5.1 مليارات دولار، منها 2.2 مليار دولار من صادرات الغاز الطبيعي، الذي سيتم ترشيد استهلاك الكهرباء لتوفير كمية منه لتصديرها إلى أوربا، فإن تلك القيمة لا تدخل جيب الحكومة المصرية، حيث تحصل الشركات الأجنبية على حوالي 40% منها بوصفها حصة للشريك الأجنبي، وتحولها إلى بلادها وتظهر ضمن قسمة الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من مصر، الذي بلغ 3.7 مليارات دولار خلال ربع العام، ولا تشير إلى مكوناته وسائل الإعلام المحلية.


وينطبق نفس الأمر على حصيلة الصادرات المصرية، التي تحصل الشركات الأجنبية العاملة بمصر على نصيب منها، سواء من الصادرات السلعية أو الخدمية مثل شركات الطيران الأجنبية وشركات التأمين الأجنبية وغيرها.


خروج الأموال الساخنة


الأمر الثالث أن خروج 14.8 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال ربع عام، بالإضافة إلى مبالغ أخرى خرجت منها في الربع الأخير من العام الماضي، يشير إلى خطورة الاعتماد على هذه الأموال كمصدر للنقد الأجنبي، وهو ما حذر كثير من الخبراء منه محافظ البنك المركزي منذ سنوات لكنه لم يكن يصغي لأحد.


الأمر الرابع استمرار العجز المزمن في الميزان التجاري ليصل إلى 11.8 مليار دولار، نظرًا لكبر قيمة الواردات البالغة 23.6 مليار دولار، مقابل استمرار صغر حجم قيمة الصادرات البالغة 11.8 مليار دولار شاملة البترولية وغير البترولية.


وذلك رغم زيادتها التي استفادت من زيادة أسعار النفط والأسمدة والمنتجات المعدنية عالميا، كما يشير من ناحية أخرى إلى فشل الجهود الحكومية لتحجيم الواردات رغم تعدد إجراءات وزارة المالية ووزارة التجارة والبنك المركزي في هذا الصدد.


نقلا عن: الجزيرة مباشر