ممدوح الولي

 

حسب بيانات أوبك بلغ نصيب الدول العربية من إنتاج النفط الخام في العالم الماضي 32%، ونصيبها من صادرات النفط الخام 41%، مما يتيح لها مركزا هاما في التجارة الدولية النفطية؛ حيث تفوقت على الولايات المتحدة صاحبة المركز الأول في إنتاج النفط، البالغ نصيبها 16% من الإنتاج الدولي، وكذلك على روسيا صاحبة المركز الثاني البالغ نصيبها النسبي 14%.

ونفس التفوق في صادرات الخام على روسيا البالغ نصيبها 11% من الإجمالي، وكندا البالغ نصيبها 8% والولايات المتحدة البالغ نصيبها 7% من صادرات الخام الدولية، ورغم أن نصيب العرب من صادرات المشتقات الدولية يبلغ 15% فقط، أي أقل من الولايات المتحدة البالغ نصيبها منها 19%، فإن نصيب العرب من صادرات الخام والمشتقات معا البالغ 30% من صادرات العالم، يضمن لهم التفوق على الولايات المتحدة البالغ نصيبها 12% وروسيا البالغ نصيبها 10% من صادرات الخام والمشتقات معا.

وإذا كانت روسيا توظف مركزها المتفوق في صادرات الغاز الطبيعي والنفط في خلافها مع دول الغرب، فإنه من الأولى أن يستفيد العرب من مركزهم المتقدم في التجارة النفطية، خاصة مع استمرار تفوق نصيب النفط بين موارد الطاقة في العالم حتى العام الماضي بنسبة 31%، مقابل 27% للفحم و24% للغاز الطبيعي وأقل من 7% لكل من الطاقة الكهرومائية والطاقة المتجددة و4% للطاقة النووية.

واحتفظ النفط بمركزه المتقدم بين موارد الطاقة بكافة المناطق الجغرافية الدولية حتى العام الماضى فيما عدا آسيا، حيث بلغ نصيبه 33.5% بأوربا متوفقا على باقي الموارد، و37% بدول أمريكا الشمالية و40% بدول أمريكا الوسطى والجنوبية، و39% بأفريقيا و43% بالشرق الأوسط، و26% بآسيا في المركز الثاني بعد الفحم الذي بلغ نصيبه 47%، نظرا إلى ارتفاع نصيبه النسبي في الصين والهند وإندونيسيا الكثيرة الاستهلاك.

   المطالبة بضمان انتظام واردات الغذاء

وفى عام 1973 استخدم العرب النفط لمعاقبة الدول المساندة لإسرائيل، وربما يرى البعض أن الأنظمة العربية حاليا توظف النفط لتوطيد أركان عروشها ولو على حساب نقص الإيرادات، إلا أن هناك مجالات عديدة يمكن للعرب توظيف مركزهم النفطي بها، مثل قضية واردات الغذاء بضمان الحصول على نصيب مناسب من الحبوب وزيت الطعام، في ظل ارتفاع معدلات التضخم التي عمت بلدان العالم، ومن مصلحة تلك البلدان السعي لإرضاء مواطنيها من خلال تخفيف حدة التضخم عليهم.

كما يمكن إقناع الدول الغربية بالمطالب العربية سواء الخاصة بالغذاء أو بالحصول على النصيب العادل من التكنولوجيا المتقدمة، أو بالحصول على نصيب من العمالة بتلك الدول، من خلال توضيح أثر تلك الأمور على تحقيق الاستقرار وتقليل الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوربية.

ولعل هذه دعوة للمراكز البحثية ومؤسسات رجال الأعمال بالدول العربية، إلى التفكير في إيجاد سبل للاستفادة من المركز العربي المتميز في التجارة النفطية، خاصة في الظروف الحالية التي تهدد فيها روسيا بقطع النفط والغاز عن أوربا بسبب مواقفها وعقوباتها تجاه روسيا، ويؤثر ارتفاع أسعار البنزين في شعبية الرئيس الأمريكي بايدين والرئيس ماكرون وغيرهما من القيادات بدول العالم.

فحتى الثامن عشر من الشهر الحالي بلغ سعر لتر البنزين ما يعادل 2.3 دولار باليونان وهولندا وإنجلترا، وما يعادل دولارين في كل من إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا والتشيك وفرنسا والبرتغال، و1.8 دولار في ألمانيا و1.6 دولار في كوريا الجنوبية وبولندا، و1.3 دولار في الهند و1.26 دولار في الولايات المتحدة الأمريكية.

وها هي وكالة الطاقة الدولية تتوقع زيادة الطلب على النفط بنسبة 2% العام المقبل، في حين أن إنتاج روسيا نقص بنحو مليون برميل يوميا، وانخفض إنتاج الولايات المتحدة بنحو مليون برميل يوميا بالمقارنة مع إنتاج ما قبل وباء كورونا، ولهذا ظل متوسط سعر البرميل يدور حول مئة دولار، رغم توقعات صندوق النقد الدولي بانخفاض معدلات النمو العالمي واحتمالات ركود في بعض البلدان.

ورغم وجود منظمة عربية للدول المصدرة للبترول (الأوابك) منذ عام 1968 تضم 11 دولة عربية منتجة ومصدرة للنفط، فإن تركيز المنظمة على التعاون في مجال استخراج النفط والتدريب ومتابعة الشركات التي أسستها، يجعل توظيفها للبحث عن سبل للاستفادة من المركز العربي النفطي أمرا متعذرا.

   العرب يمثلون 78% من صادرات أوبك

وهنا يمكن الاستفادة من الدور الرئيسي الذي تلعبه الدول العربية بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) التي تأسست عام 1960، خاصة أن الدول العربية الست الأعضاء فيها وهي السعودية والعراق والإمارات والكويت وليبيا والجزائر مثلت نسبة 77% من مجمل إنتاج المنظمة العام الماضي، من إجمالي الأعضاء البالغ عددهم 13 دولة، حيث يقل إنتاج دول مثل الكونغو والغابون وغينيا الاستوائية.

كما تمثل الدول العربية الست نسبة 78% من مجمل صادرات أوبك، ولهذا يمكنها تنسيق مواقفها على هامش اجتماعات المنظمة الدورية، مع إمكانية الاستفادة من وجود ثلاث دول أعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في المنظمة وهي إيران ونيجيريا والغابون بتنسيق المواقف معها.

وحتى تجمع أوبك بلس الذي تأسس عام 2016 ويضم عشر دول مصدرة للنفط إلى جانب دول أوبك، من بين أعضائه ثلاث دول عربية هي: البحرين وسلطنة عمان والسودان، ليصل عدد الدول العربية الأعضاء في التجمع تسع دول عربية، بالإضافة إلى سبع دول أعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي منها ماليزيا وكازاخستان وبورناي وأذربيجان.

مجال آخر يجب التنبه إليه وهو زيادة طاقات التكرير عربيا، بتوجيه الاستثمارات المحلية أو العربية أو الأجنبية إلى هذا النشاط، لتعظيم القيمة المضافة والاستفادة من السعر الأعلى للمشتقات من الخام، وتشغيل مزيد من العمالة لتخفيف حدة البطالة المرتفعة عربيا. فنصيب العرب من طاقات التكرير دوليا يقل عن نسبة 10%، بل إن إنتاج المشتقات عربيا قلّت نسبته عن 8% من الإنتاج العالمي في العام الماضي، في ظل انتشار ظاهرة انخفاض نسبة مخرجات التكرير عن الطاقات المتاحة للتكرير، حتى بلغت نسبتها أقل من 20% في ليبيا و66% بالعراق و71% بمصر، وانفردت الكويت بزيادة الإنتاج عن طاقات التكرير المتاحة.

والنتيجة تفوّق نسبة تصدير النفط خاما عربيا على تصديره مكررا؛ حيث بلغت نسبة صادرات المشتقات إلى مجمل صادرات النفط في سلطنة عمان والعراق 4%، وفي ليبيا 7.5% وفي السعودية 18% وفي الكويت 26% وفي الإمارات 28%، وفي قطر 48.5% وفي الجزائر 52.5%، وفي مصر المستوردة الصافية للنفط 55% وفي البحرين المستورة الصافية للنفط 59%.

غالبية واردات آسيا النفطية عربية

وربما يرى البعض أن تدنّي نصيب الصادرات العربية البترولية بالنسبة لواردات أوربا والولايات المتحدة، يمكن أن يقلل من حيوية الاستفادة من المكانة العربية في التجارة الدولية للنفط، حيث مثل نفط الشرق الأوسط حوالي 9% من الواردات الأمريكية من الخام العام الماضي، ونسبة 6% من واردات المشتقات ليصل النصيب من الخام والمشتقات معا 8%.

كما مثل الخام الوارد من الشرق الأوسط إلى أوربا نسبة 16.5% من وارداتها من الخام، و14% من واردتها من المشتقات وأقل من 16% من وارداتها من الخام والمشتقات معا، إلا أن أوربا تحتاج حاليا بديلا للنفط الروسي الذي استحوذ على نسبة 30% من وارداتها من الخام العام الماضي، ونسبة 38% من وارداتها من المشتقات و32% من وارداتها من الخام والمشتقات معا.

كما تحتاج دول الغرب إلى أن تظل الصادرات العربية إلى الدول الآسيوية خاصة الصين والهند مستمرة، لتقلل من إمكانية اتخاذ روسيا تلك الأسواق بديلا عن تراجع حجم صادراتها إلى أوربا، ولتقليل إيرادات روسيا من الطاقة حتى لا تساعدها على استمرار حربها في أوكرانيا.

ومن ناحية أخرى فإن المركز المتفوق للصادرات العربية إلى آسيا يتيح لها الحصول على مكانة مناسبة لدى دول تلك القارة، مثل الحصول على نصيب من صادرات القمح الهندية ونحو ذلك، والاستفادة من العلاقة مع تكتل الصين وروسيا وحلفائهما في عالم ما بعد حرب روسيا في أوكرانيا.

حيث بلغ نصيب بترول الشرق الأوسط نسبة 59% من واردات الخام لآسيا العام الماضي، ونسبة 29% من واردات المشتقات، ونسبة 50% من واردات الخام والمشتقات معا. وترتفع نسبة نفط الشرق الأوسط في اليابان لتصل إلى 92% من واردات اليابان من الخام، و31% من وارداتها من المشتقات، و76% من وارداتها من الخام والمشتقات معا العام الماضي.

وربما يرى البعض أن ارتفاع أسعار النفط يضر في نفس الوقت بالدول العربية المستوردة له، لكن هذا الأمر يمكن التخفيف من حدته من خلال الأسعار الخاصة التي يتم التعامل بها مع الدول العربية المجاورة، مثلما كان العراق يفعل مع الأردن في فترة صدام حسين، ومثلما تفعل السعودية مع البحرين منذ سنوات، والتسهيلات التي تقدمها السعودية والكويت لمصر في السداد.

 

نقلا عن: الجزيرة مباشر