وصل أسانج، رئيس تحرير موقع ويكيليكس، إلى الشهرة العالمية في عام 2010 بعد كشفه عن كم هائل من الوثائق خاصة بالاتصالات الحكومية الأميركية السرية للغاية، التي كشفت أسرار حروبها في أفغانستان والعراق، ومناوراتها الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم. ولكن في مقابلة تلفزيونية في سبتمبر الماضي، كان من الواضح أنه ما يزال لديه الكثير ليقوله عن "العالم وفقاً للإمبراطورية الأميركية"، العنوان الفرعي لكتابه الأخير "ملفات ويكيليكس".

من ضيق ملجئه بسفارة الإكوادور في لندن، حيث تم منحه اللجوء قبل 4 سنوات وسط مأزق قانوني، أظهر أسانج الولايات المتحدة كدولة مستبدة: فهي أمة حققت القوة الإمبريالية بإعلان احترامها لمبادئ حقوق الإنسان في حين استخدمت استخباراتها العسكرية في الضغط على الدول للقيام بما تمليه عليها، ومعاقبة الناس من أمثاله الذين يجرؤون على قول الحقيقة، وفقاً لما نشرته صحيفة new york times الأميركية.


غياب روسيا

ومع ذلك، غاب عن تحليل أسانج انتقاد قوة عظمى أخرى في العالم، وهي روسيا، أو رئيسها فلاديمير بوتين، الذي لا يكاد يرقى إلى مستوى الشفافية الذي تدعو إليه ويكيليكس. فحكومة بوتين تقمع المعارضة، فتتجسس عليهم وتسجنهم، وأحياناً تغتال المعارضين، بينما تعزز من سيطرتها على وسائل الإعلام والإنترنت. ومما يدعو للسخرية أن أسانج شجب الرقابة في مقابلة مع روسيا اليوم، القناة التليفزيونية الدعائية التي يسيطر عليها الكرملين.

الآن، عاد أسانج وويكيليكس مرة أخرى إلى دائرة الضوء، التي تؤرق المشهد الجيوسياسي مع التسريبات الجديدة ووعد بالمزيد في المستقبل.

في يوليو، نشرت المنظمة ما يقرب من 20،000 رسالة بريد إلكتروني خاصة باللجنة الوطنية الديمقراطية، مما يشير إلى أن الحزب قد تآمر مع حملة هيلاري كلينتون لتقويض منافستها الأساسي، السيناتور بيرني ساندرز. أسانج -الذي انتقد كلينتون علناً- وعد بالمزيد من التسريبات التي يمكنها أن تغير مسار حملتها ضد المرشح الجمهوري، دونالد ترامب. وفي حادث منفصل، أعلن موقع ويكيليكس أنه سيفضح قريباً بعض الأسرار الهامة من وثائق المخابرات الأميركية: مجموعة من شفرات التجسس الإلكتروني.

ويقول مسؤولون في الولايات المتحدة إنهم يعتقدون بدرجة عالية من الثقة أن رسائل الحزب الديمقراطي الإلكترونية اخترقت من قبل الحكومة الروسية، كما يظنون أن الشفرة أيضاً سرقت من قبل الروس. هذا يثير سؤالا: هل أصبحت ويكيليكس أداة لعرض المواد التي يجمعها الجواسيس الروس؟ وعلى نطاق أوسع، ما هي، على وجه التحديد، العلاقة بين أسانج وكرملين بوتين؟

تصبح هذه الأسئلة أكثر أهمية بسبب دور روسيا في الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية. وقد أشاد بوتين، الذي اصطدم مراراً مع كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية، علناً بدونالد ترامب، الذي رد المجاملة، داعياً لعلاقات أوثق مع روسيا وتحدث عن تقبله لضم بوتين لشبه جزيرة القرم.

منذ بداية ويكيليكس، قال أسانج إنه مدفوع بالرغبة في استخدام "التشفير لحماية حقوق الإنسان"، وإنه سيركز على الحكومات الاستبدادية مثل روسيا.

ولكن فحص نيويورك تايمز لأنشطة ويكيليكس خلال السنوات التي أقام فيها أسانج في المنفى أظهر نمطاً مختلفاً: سواء على سبيل القناعة أو الراحة أو المصادفة، كانت تسريبات ويكيليكس، بالإضافة إلى العديد من تصريحات أسانج، كثيرا ما تصب في مصلحة روسيا، على حساب الغرب.

يكاد يجمع مسؤولو الولايات المتحدة، أن أسانج وويكيليكس ليس لهم علاقة مباشرة مع أجهزة المخابرات الروسية.

لكنهم يقولون إنه، على الأقل في حالة رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالديمقراطيين، كانت موسكو على ثقة أن ويكيليكس ستكون مستعدة لنشر تلك الرسائل، وأن وسطائها سيتمكنون من نشر الوثائق المسربة بكل بساطة عن طريق إرسالها إلى بريد ويكيليكس.