استعرض رئيس الوزراء المصري الانقلابي مصطفى مدبولي، أمام الجلسة العامة لمجلس النواب الأربعاء الماضي، الموقف حول سد النهضة الإثيوبي. وأكد أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائي، وأن نصيب الفرد من المياه لا بد أن يكون 1000 متر مكعب سنويا، إلا أن نصيب المصري الآن لا يتجاوز 700 متر مكعب.

وخلال الجلسة، رفض رئيس مجلس النواب المنقلب، علي عبد العال، تعقيب النواب على كلمة مدبولي أو مقاطعته. بل إنه اتهم الرئيس الشهيد الدكتور مرسي بأنه سبب مشكلة سد النهضة، قائلا للنواب بانفعال: "تذكروا جيدا أن هناك أحداثا تمت في عهد سابق تسببت في مشكلات ما زلنا نعاني منها حتى اليوم، لأنهم أذاعوا اجتماعهم على الهواء مباشرة".

كما أنه في يوم الأحد الماضي تحدث الجنرال المنقلب عبد الفتاح السيسي، في الندوة التثقيفية الحادية والثلاثين للقوات المسلحة قائلا: "إحنا كدولة عملنا إيه من 2014 حتى الآن، الموضوع لم يكن عبارة عن إجراءات نعملها للتفاوض فقط دون إعداد. حجم المياه المتاح لينا بالكامل مبقاش كافي لينا. حجم المياه حتى الآن المتاح لمصر بالمعايير الدولية طبقا للأمم المتحدة دخلنا في مستوى الفقر المائي للإنسان 500م3 في العام وده فقر مائي". وحمّل ثورة يناير مسؤولية ما حدث قائلا: "لولا ما حدث في 2011 لاستطاعت الدولة المصرية التوصل إلى توافق حول سد النهضة". وأضاف: "البلد كشفت ظهرها وعرت كتفها في 2011.. ولو مخدناش بالنا هيتعمل فينا أكتر من كدة".. "اتفقت مع رئيس وزراء إثيوبيا على الالتقاء في موسكو للحدث في الموضوع والتحرك نحو الأمام علشان نحل المسألة دي بشكل أو بآخر".

وبغض النظر عن تناقض الأرقام بين الجنرال المنقلب ورئيس ورزائه عن نصيب الفرد المصري من المياه، لا سيما أنه وفق تقديرات حكومية سابقة، بلغت نسبة الإجهاد المائي في مصر 140 في المئة، وهو ما يعني أن حصة المواطن المصري من مياه النيل انخفضت إلى نحو 600 متر مكعب سنويا بعدما كانت 2500، وهي أقل بـ40 في المئة من خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة عند 1000 متر مكعب للفرد سنويا.. فإن وصف السيسي لمصر بأنها كشفت ظهرها وعرت كتفها في 2011م؛ هو وصف لا يليق لا بمصر رمز العروبة والإسلام ولا بثورة يناير التي كانت وما زالت رمزا للعزة والكرامة الإنسانية..

وتحميل السيسي المسؤولية لثورة يناير ليس جديدا عليه، فهو الذي سعى بكل كيده ومكره لإجهاضها، رغم أن تلك الفترة التي بدت فيها نواجذ سد النهضة كانت في عهد المجلس العسكري برئاسة طنطاوي، والذي كان السيسي نفسه أحد أعضائه. ونفس الأسطوانة المشروخة تجدها بصورة أخرى في تصريحات عبد العال، رغم أن الإثيوبيين أنفسهم عملوا ألف حساب لرد فعل الرئيس مرسي وأخافهم سلوكه للحفاظ على دم كل مصري، ممثلا في النيل الذي يجري في عروق المصريين وتقوم عليه حياتهم، وهذا باعتراف المنقلب السيسي نفسه من قبل.

إن من أدخل مصر في الفقر المالي ليس مجلس طنطاوي العسكري فحسب، بل إن المسؤول الأول عن ذلك هو السيسي نفسه الذي وقع اتفاقية إعلان المبادئ مع إثيوبيا بحثا عن شرعية المنقلب، وقد فعل ذلك أيضا مع ترسيم الحدود مع اليونان وقبرص والكيان الصهيوني وضحّى بحقول مصرية للنفط والغاز، وكذلك مع السعودية ببيع تيران وصنافير مقابل أموال خبيثة بنى بها لنفسه قصورا في الوقت الذي لا يجد فيه الشعب قبورا.

 ثم إنه ما قيمة أن يلتقي السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في روسيا، وهو الذي جعله يُقسم أمام الكاميرات من قبل في موقف عبثي مضحك على ما أوصل إليه السيسي نيل مصر، وجعل حل المشاكل السياسية والأمن القومي المصري بالقسم من رجل لا يعرف حتى معنى ما يقول بالعربية. كما أنه ما قيمة اللقاء وقد حنث الرجل بيمنيه الذي لا يعرفه، لا سيما وقد أعلنت وزارة الموارد المائية المصرية عقب اجتماع لوزراء الموارد المائية لمصر والسودان وإثيوبيا، في العاصمة السودانية الخرطوم منذ أيام، أن مفاوضات سد النهضة وصلت إلى طريق مسدود نتيجة تشدد الجانب الإثيوبي.

إن مصر معرضة بجدية لمخاطر وجودية للإنسان المصري نفسه. فحصتها من مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب والتي تمثل 95 في المئة من احتياجاتها المائية، سوف تتأثر تأثرا كبيرا بسبب خطة ملء سد النهضة، وهو ما يتوقع أن يحرم مصر من 15 مليار متر مكعب سنويا من حصتها في مياه نهر النيل، حال انتهاء إثيوبيا من ملء خزان سد النهضة (74 مليار متر مكعب) على مدار خمس سنوات.

إن تاريخ مصر منذ وجودها في أرض الله يعكس ارتباطها بالنيل الذي هو هبة من الله ، وما حل بمصر من رخاء أو أزمات منذ وجودها ارتبط بمياه النيل إيجابا وسلبا. وها نحن نجد أن زمانا قد أتى على الناس يفرط فيه منقلب في حياتهم ويعرضهم للموت مع سبق الإصرار والترصد، ثم يُحمل غيره المسؤولية رغم أنه المهندس الوحيد لبيع نهر النيل بشرعية زائفة.. فهل من منقذ لحياة المصريين؟!