د. عزالدين الكومي:
 

 

تأسست جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928، ومقصدها العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وعودة المسلمين إلى دينهم، كما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم من غير تبعيض ولا تجزئ، من منطلق الفهم الشامل للإسلام، أو بمعنى أدق أن الإسلام دين ودولة، في مواجهة التيارات التغريبية سيطرت على الحياة الفكرية في مصر في ذلك الوقت، وقامت بتصدير وتكريس الأفكار العلمانية، تحت شعار "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، وما تبع ذلك من شعارات القومية، مِن أنّ الدين لله والوطن للجميع، بالإضافة إلى أنّ الجماعة ترى أيضا ضرورة السعي لإعادة الخلافة الإسلامية .

كما كانت مصر تئنّ تحت ظلم الاحتلال البريطاني، والذي لا يقبل بأي حال ظهور أي نوع من المقاومة حتى ولو كانت سلبية، لأن الاستعمار كان يسعى لطمس الهوية الإسلامية، كما قال وزير الخارجية البريطاني إذْ ذاك: مادام المسلمون يحتفظون بالأزهر والقرآن وصلاة الجمعة فلا أمل في اجتثاثهم !!

وكانت الهجرات اليهودية تترى إلى فلسطين بمقتضى وعد بلفور عام 1917 ومعاهدات سايكس بيكو، وكانت الهجمة الغربية الموسَّعة والموحَّدة ضد الأمة العربية فى صورة غزوات عسكرية وفكرية وحملات تفكيك وتجزئة وفرض للتبعية ومحو الهوية.

وقد خاض الإخوان حربا جهادية ضد عصابات اليهود القادمة إلى فلسطين، وقاموا ببطولات رائعة أحرجت الجيوش العربية النظامية، التي كانت مُسخَّرة لتمكين العصابات اليهودية من تأسيس دولة يهودية في فلسطين، ما جعل الضباط اليهود أنفسهم يقولون للرائد معروف الحضري - وهو أسير لديهم -: نحن لا نخاف من الجيوش العربية، ولكننا حقيقةً نخاف من جماعة (الله أكبر)؛ أي من شباب المتطوعين، فقال لهم: وما الذي يُخيفكم منهم وهم قليلو الخبرة بالأمور العسكرية، وسلاحهم متواضع؟ قالوا له: نحن لا نخاف من سلاحهم ولا من تدريبهم، ولكن نخافهم لأمر مهم، هو: إننا - نحن اليهود - جئنا من أقطار شتى إلى هذه الأرض لنعيش، وهؤلاء جاءوا من أقطارهم إليها ليموتوا، فكيف نواجه أمثال هؤلاء؟!!

وتحت عنوان "اعرف عدوك" نشرت مجلة "حائط" يصدرها الطلاب الصهاينة في الجامعة العبرية تعليقًا تحت صورة الإمام "حسن البنا :- "إن صاحب الصورة كان أشد أعداء إسرائيل لدرجة أنه أرسل أتباعه عام 1948م من مصر ومن بعض البلاد العربية لمحاربتنا، وكان دخولهم مزعجًا لإسرائيل لدرجة مخيفة.

ولذلك كان لابد من الصدام مع هذه القوة الفتية، ومحاولة اجتثاثها في وقت مبكر خوفا من استيقاظ المارد الإسلامي، حتى لا يستفحل أمره، فكان اجتماع فايد في 10 / 11 1948 حيث اجتمع سفراء انجلترا وأمريكا وفرنسا في مدينة فايد بالإسماعلية، وقرروا اتخاذ الإجراءات اللازمة بواسطة السفارة البريطانية في القاهرة لحل جمعية الإخوان المسلمين، وأرسلت هذه الإفادة إلى رئيس المخابرات تحت رقم 13 في 13 / 11 / 1948.  وبناء على ذلك أبلغت السفارة البريطانية النقراشي بهذا القرار المطلوب، وهو حل جماعة الإخوان المسلمين في أسرع وقت ممكن، وكان ذلك مصحوبا بتبليغ شفوي بأنه في حالة عدم حل الإخوان فستعود القوات البريطانية إلى احتلال القاهرة والإسكندرية، وطلب النقراشي إلى عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية وقتئذ، وساعِد النقراشي الأيمن أن يعد مذكرة تبرر حل جماعة الإخوان حتى يبدو الحل وكأنه إجراء مصري لا دخل للانجليز فيه، تغطية لموقف النقراشي العام, وبناء على المذكرة التي كتبها عبد الرحمن عمار أصدر النقراشي قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالهم وأملاكهم وشركاتهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومصانعهم, وصدر القرار الساعة 11 مساء يوم 8 ديسمبر سنة 1948، واعتقل الإخوان الموجودون بالمركز العام وترك الإمام الشهيد حسن البنا الذي مُنع من الصعود إلى السيارة مع بقية الإخوان المعتقلين . وربما كان هذا الأمر – وهو ترك الإمام الشهيد – دون اعتقاله غامضا، ولكن ثبت من قضية استشهاده أن النية كانت مبيته لاغتياله؛ لأنهم لو لم يكونوا ينوون قتله لكان هو أول من اعتقلوه!!

 وعندما اغتيل الإمام البنا، بناء على توجيهات السفارة البريطانية بعد اجتماع فايد، قال الشهيد سيد قطب في كتاب "لماذا أعدموني":  لم أكن أعرف إلا القليل عن الإخوان المسلمين، إلى أن سافرت إلى أمريكا في ربيع 1948 في بعثة لوزارة المعارف (كما كان اسمها في ذلك الحين)، وقد قتل الشهيد حسن البنا، وأنا هناك في عام 1949م، وقد لفت نظري بشدة ما أبدته الصحف الأمريكية، وكذلك الإنجليزية، التي كانت تصل إلى أمريكا، من اهتمام بالغ بالإخوان، ومن شماتة وراحة واضحة في حل جماعتهم وضربها، وفي قتل مرشدها، ومن حديث عن خطر هذه الجماعة على مصالح الغرب في المنطقة، وعلى ثقافة الغرب وحضارته فيها، وصدرت كتب بهذا المعنى سنة 1950م، أذكر منها كتابا لجيمس هيوارث دين بعنوان: التيارات السياسية والدينية في مصر الحديثة، كل هذا لفت نظري إلى أهمية هذه الجماعة عند الصهيونية والاستعمار الغربي).

على أن اغتيال الإمام البنا لم يكن إلا حلقة من حلقات الصراع والحرب على الإسلام والمسلمين، والعداء الغربي لكل مشاريع الإصلاح التي تسعى لتحرير العرب والمسلمين من ربقة التبعية للغرب.

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر