مجدي مغيرة:
 

نشر بعض الأفاضل منذ فترة مواقف تاريخية  تعود إلى أيام الحملة الفرنسية على مصر تدل على خسة البعض ونذالته ، خصوصا مع شرفاء الوطن الذين يضحون بأنفسهم ، و بما يملكون .

 وقد كان سياق الكلام يعني أن هذا هو  الشعب المصري منذ القديم ، شعب يناصر الظالم ضد المظلوم ، ويعض اليد التي امتدت له بالخير ، ولا يتورع عن سبها وشتمها ، بل وقذفها بالحجارة حتى الموت لو طلب الحاكم منهم ذلك .

 ومبدئيا حتى لا يحدث أي التباس في فهم كلامي ، أقول أن المواقف التي ذكروها  صحيحة ، وتدل بالفعل على أن هناك دائما قطاعا كبيرا من الشعب لا يعنيه سوى الحاكم المسيطر ظالما كان أو عادلا،  أجنبيا كان أو وطنيا ، مسلما كان أو غير مسلم ، وهذا القطاع الكبير لا يتورع عن ارتكاب أي فعل مهما كان خسيسا في سبيل إرضاء هذا الحاكم .

هذا الأمر يكاد يكون سُنَّة جارية في كل الشعوب ، في كل مكان وزمان ، ولنتذكر أن ألمانيا حينما احتلت فرنسا في الحرب العالمية الثانية تعاون معها الآلاف من الفرنسيين ، رغم أن فرنسا كانت في هذا الوقت من الدول الكبرى المهيمنة على العالم ، وكانت ترى نفسها دولة حرة مثقفة ، وكانت عاصمتها باريس تُسمى باسم مدينة النور ، وبعد احتلال ألمانيا لفرنسا منحت الجمعية الوطنية الفرنسية ( مجلس الشعب أو مجلس النواب أو مجلس الأمة )  القادة الجدد الصلاحيات اللازمة لإصدار دستور جديد للبلاد، حيث صوت 569 نائبا لصالح هذا الطلب بينما عارضه 80 وامتنع 18 عن التصويت، وقد امتلكت القيادة الجديدة وفق هذا الدستور السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة الفرنسية ، أما الثوار المعارضون لذلك ، فقد كانوا  يعيشون في الريف كخارجين عن القانون ، فالعملاء صاروا حكاما باسم القانون ، والأحرار صاروا إرهابيين .

لكن لا يعني أبدا وجود هذا الصنف من البشر انعدام وجود الشرفاء ، بل دائما في كل مجتمع - حتى في أرقى المجتمعات -  نجد هؤلاء وهؤلاء .

 والفرق بين مجتمع وآخر أن مجتمعا مَّا بسبب طبيعة نظام الحكم فيه يقرب الصنف الدنيء ، ويمَكِّنه من السيطرة على مفاصل الدولة ؛ فتبدو الدولة ، ويبدو معها الشعب وكأنهم مجموعة من المرتزقة الذين لا يعنيهم سوى تحقيق مصالحهم الضيقة مهما كانت ضارة بمصلحة البلاد ، بينما واقع الحال يقول أن الشرفاء أيضا موجودون ، لكنهم مغلوبون على أمرهم .

أما إذا غلب الصنف الشريف على الحكم ، فهو بطبيعة الحال يستخدم شرفاء الوطن الذين يقدمون المصالح العليا للبلاد على أي مصلحة أخرى ، وبذلك تبدو البلاد وكأنها وطن للشرفاء فقط ، بينما في واقع الحال يعيش معهم الأنذال ، ويستفيدون من صلاح الدولة ، بل وقد يزايدون على المصلحين ، ولا تظهر حقيقتهم إلا عند وقوع البلاد في مأزق من المآزق .

وغلبة الصالحين مرة ، وغلبة الظالمين أخرى إنما هو معنى من معاني قول الله تعالى :" وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" ، والناس دائما على دين ملوكهم .


 

 

 المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر عن رأي نافذة مصر