بقلم : مجدي مغيرة
لا يمر وقت من الأوقات ولا مناسبة من المناسبات إلا وتقام الموالد والمهرجانات ضد الإخوان المسلمين ، ترتدي في الظاهر مسوح النصح والإرشاد ،وتدعي النقد الموضوعي ، وتنطوي في الباطن على الرغبة القوية في التشويه والإبعاد .
عرفنا منها مولد السمع والطاعة الذي عرضوه على الناس بشكل ساخر ، إذْ لا يكاد يخطر على بال فضيلة المرشد أمر وهو يشرب فنجان القهوة صباحا أو مساء ، إلا ويرفع سماعة التلفون أو الموبايل ويصدر أمرا بهذا الخصوص إلى الجهات المعنية ؛ فتسارع تلك الجهات إلى التنفيذ دون تأخير أو حتى استفسار ، وما إنْ يحاول أحد مَرَدَة الإخوان وعصاتهم الاستفسار أو الاستيضاح أو حتى قليل من الاعتراض إلا وتأتيه الصواعق الحارقة والرعود البارقة من حيث يحتسب أو لا يحتسب جزاء له على فعلته النكراء وهي عدم تنفيذ أوامر فضيلة المرشد .
وعرفنا منها أيضا مولد جيل الشباب وجيل الشيوخ والحرس القديم والحرس الجديد والقطبيين والحمائم والصقور ، وقد تكون في جعبة الحواة أمور أخرى نعرفها أو لا نعرفها .
وما نشاهد احتفالاته اليوم هو مولد الفصل بين الدعوي والسياسي .
و أقرر أولا أن مسألة الفصل بين مختلف الأنشطة السياسية والدعوية والخيرية والرياضية والنقابية ...إلخ لا حرج فيها إذا كانت تنطلق كلها من تنفيذ استراتيجية عليا يختص كل فريق فيها بتحقيق ما يوكل إليه من مهام وأهداف تصب كلها في إنجاز الغايات الكبرى والأهداف العامة والاستراتيجيات العليا ، وحسب علمي ( وقد أكون مخطئا ) ، فقد كان المرسوم لحزب الحرية والعدالة أن يكون منفصلا إداريا عن الجماعة الأم ، وانضم إليه الإخوان وغير الإخوان ، لكن اقتضت البدايات أن تمد الجماعة له يد العون حتى يقف على قدميه ويعتمد على ذاته فيما بعد ، بل إن نظرنا نظرة تاريخية للجماعة سنجد أنها في أيام الإمام حسن البنا - رحمه الله - قد أنشأت بعض الجمعيات الخيرية المنفصلة إداريا عن الجماعة ، لكنها تخدم بعض أهدافها المتمثلة في تقديم العون للشعب المصري ، والعمل على تهذيبه سلوكا وأخلاقا وعبادات .
أقول لا حرج ولا مانع أبدا في ذلك ، لكن المرفوض رفضا قاطعا هو انفصال الفروع بعضها عن بعض بحيث يمارس كل فرع نشاطه منعزلا عن باقي الفروع ، ولا يكون معنيا بتحقيق أهداف واستراتيجيات متفق عليها ، بل قد يسعى إلى تحقيق أهداف وغايات تتعارض بالضرورة مع أهداف وغايات الأنشطة الأخرى ، فمثل هذا الانفصال هو التفتيت والتشتيت والتمزق بعينه ، وحدوث ذلك هو عين ما يرجوه الانقلاب ومحركوه الإقليميون والدوليون .
وكما لا مانع ولا حرج في التخصص كما بينت معناه ، كذلك لا حرج ولا مانع أبدا في أن تبقى إدارة كل هذه الأنشطة تحت قيادة واحدة توزع المهام والتكاليف حسب الطاقات والقدرات كما هو معمول به عند جماعة الإخوان الآن .
والذي يقرر هذا الأمر أو ذاك هم أفراد الجماعة وحدهم دون غيرهم وفق مقتضيات الظروف ومتطلبات المرحلة ، شرط أن يظل ذلك أمر داخلي بحت لا يجوز لمن هم خارج الجماعة أن يفرض هذا أو ذاك عليها ، إلا إذا استشارته الجماعة في ذلك ؛ فيشير عليها برأيه ، ويقول ما عنده دون أن يجعل الجنة لمن أطاعه ونفَّذَ مشورته ، والنار لمن عصاه وخالف وصيته .
لكن ما نراه من كتابات وآراء يحمل أصحابها ألقابا وصفات تعبر عن شهادات ورقية حصل عليها بعد اجتياز اختبارات أو إعداد أبحاث ، دون أن يكون له نصيب في أخلاقياتها الواجب عليه الالتزام بها كالصدق والحياد والموضوعية ، والبعد عن العواطف والذاتية .
فنرى أحدهم يكتب عن الكوارث التي جناها الإخوان بسبب عدم الفصل بين الدعوي والسياسي ، والآخر يوضح الدمار الذي لحق بالأمة كلها بسبب إصرار الإخوان على الجمع بين الدعوي والسياسي ،وثالثا يستدل بتمسك الإخوان بالجمع بين الدعوي والسياسي على تحجرهم وتأخرهم وجمودهم ورجعيتهم وانغلاقهم وتخلفهم وغبائهم الذي ليس له حدود ولا قيود ، وفي المقابل يمدح من فعل ذلك سواء كان داخل مصر أو خارجها ، أو كان مرتبطا بفكر الإخوان أو منطلقا من مرتكزات فكرية أخرى .
يفعل ذلك دون أن يكلف نفسه عناء تقييم تجارب هؤلاء ، فالمشكلة عنده ليست في تقييم الفكرة بإيجابياتها وسلبياتها بقدر ما هو مدخل يراه مناسبا للهجوم والطعن على الإخوان والتنقيص من شأنهم والحط من أفكارهم ومفاهيمهم ، ووسائلهم واستراتيجياتهم ، مدعيا في ذلك المنهجية العلمية والتقييمات الموضوعية ومعلنا ارتداء ثوب الحيادية و التجرد والنزاهة و.... و ...... و...... .
إن تناول هذه القضية بهذا الأسلوب لا يمكن أبدا أخذه على محمل الجد ، بل هو مأخوذ على محامل أخرى قد ترجع إلى أغراض وغايات ظاهرة أو خفية ، أو إلى أمراض نفسية أو قلبية ، أو إلى غفلة وسذاجة فكرية ، أو تنفيذا لأوامر وأجندات خارجية ، أو تحقيقا لمخططات مخابراتية وأمنية .
للأسف الشديد ، كثير ممن يكتبون في شأن الإخوان لا يلتزمون بالموضوعية رغم ادعائهم العريض لها ، وينفون عن أنفسهم الشخصانية رغم وضوحها في كل كلمة يرددونها ، بل وفي كل حرف ينطقون به ، ورحم الله ابن دريد حين قال :
وَآفَةُ العَقـلِ الهَـوى فَمَـن عَـلا عَلـى هَـواهُ عَقلُـهُ فَقَـد نَجـا.
وقال الإمامُ عليٌّ - رضي الله عنه -: " إن أخوفَ ما أخافُ عليكم اتباعُ الهوى وطولُ الأمل،أمَّا اتباعُ الهوى فيصدَّ عن الحقِّ ، وأما طولُ الأمل فيُنْسِي الآخرة " .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

