بقلم:محمد ثابت

    فور إعلان عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك عن إنقلابه على الرئيس محمد مرسي انتابت المرء موجات من الدهشة.. لم تكن تخص موقف الأخير للحقيقة، فإنه كان شديد الوضوح، ولكن العجب كل العجب كان من موقف داعميّ الإنقلاب سواء المصريين أو الخلجيين ..
                                           (1)
    من المعروف في "قاموس" تعاملاتنا اليومية، كعرب، فيما يخص مُكوناً معنوياً بالغ الدقة بخاصة في حياتنا المتقلبة، وزماننا هذا، إن "الثقة" لا تُعطى لمن خان أهله و"ناسه" بلغة الإخوة الأقارب الصعايدة في مصر، و"من لم يكن له خير في أهله فلن يكون له خير في أحد" .
    في ميدان النهضة يوم 3 من يوليو 2013م كانت الأفكار تعصف بالذهن عصفاً:
ـ لماذا يؤمل بعض المصريين، والبعض في تعدادنا كثير، على عبد الفتاح حسن السيسي إذن؟
       خان الأخيرالرئيس مرسي، وليس في البشر أحد أنعم على السيسي مثلما أنعم عليه الرئيس مرسي، فك الله أسره، رقاه ترقيتين في آن واحد، فريق، وفريق أول، وولاه وزارة الدفاع، وأسلم رقبته إليه، من آسف شديد، حتى بعدما جاءه تقرير لجنة تقصي الحقائق في أحداث يناير 2011م، الثورة الأولى، بإن المدعو السيسي خان الله ورسوله ثم الثوار، وكلف "زبانيته" بقتلهم بدم بارد، والمعلومة الاخيرة وإن بدت مؤخراً، فإن خاطراً كانت النفس تأباه في ذلك الوقت إن تهواناً ما تم معه فاستغله قائد الإنقلاب من باب:"إن أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم....".
   لكن لماذا يعولون على السيسي بعد الإنقلاب.. وقد "خان" من غفر له خطايا لا يغفرها بشر، وولاه واستأمنه فخانه؟!
   كانت هذه الأفكار تعصف بالرأس في رابعة العدوية على مدار شهر يوليو وجزء من أغسطس، وأمام الحرس الجمهوري، وقد شاء الله أن أحضر المذبحة الاولى وزوجي، إذا كان الجيش مستفيد ومن ثم الداخلية بالمال والامتيازات، فبماذا سيستفيد اناس أعرفهم ليسوا بفاقديّ العقل؟!
   كان الغيظ ياكل القلب أكلاً مما يحدث، ورغم خلافي الجزئي في أمور والكلي في أخرى أقل، كطبع البشر، مع سياسة الدكتور مرسي، وللحقيقة فإن صاحب هذه الكلمات يُكن له معزّة خاصة، ويقدر دوره البالغ التهذيب في حكم مصر وبخاصة في معاملة أهلها والحرص على حقن دمائهم، وإن بدرت من صاحب هذه الكلمات "سابقة" بها "شىء" من العتب فإنما الأمر من باب قول المتنبي:
ولم أر في الناس عيباً
كنقص "القادرين" على "التمام"!
    تلك كلمة حق في حق الرئيس محمد مرسي، أشهد الله إنها له تعالى، وليست "حتى" لمرضاة الأصدقاء والإخوة في جماعة الإخوان ممن تسؤوهم بعض كلماتي فيعتبون..
                                      (2)
    كم يلزم من الوقت ل"يفهم" فريق المصريين "المعادي" للرئيس مرسي، و"طوفان" العرب إنهم راهنوا على "السيسي" الخطأ .. كان هذا الشعور ثقيلاً جداً على النفس، بخاصة وقد أتت المصائب التي لا يدركها العقل ولا الوجدان بسرعة، ولا يهضمها الخاطر، وتشعر الروح حيالها بالميوعةن وكأن "فتقاً" فيها ..صعب "احتواؤه"..
   كنتُ أرى الدم يسيل من مصريين فيزداد عجبي، وارى اصدقاء يلزمون الحياد فيتمادى "الألم"..
وكنتً أظن كمتعجليّ البشر إن الحل ينبغي أن يكون الآن، لا "الآن .. الآن" الخاصة بالمدعو "اوباما"، وبتقدير البشر كان الانتظار بالغ المرارة..
    ولكن تقدير رب البشر كان له "أبجديات" أخرى أكثر دقة، ومناسبة لتأديب الكثير من الناس الذين لم يذكرهم الله تعالى في كتابه الكريم بخير ابداً، كان لرب العزة تدبير آخر أكثر مناسبة لمن لم يفهم:
ـ لماذا يفعلون هذا .. ويتمادون فيه في الحرس الجمهوري "1"، "2"، و"المنصة"، و"رمسيس"، و"رابعة" و"النهضة"، و"الفتح" وكل مدن مصر الكبرى بل الصغرى فور فض رابعة والنهضة، ومن بعد في "دلجا"، و"سيناء" ..والعدد يستعصي على الحصر.. يكفي إن الأمر يكاد يطاول كل بيت "شريف" في مصر..
                                    (3)
     أما "أخطاء" الشرفاء ممن كانوا في الحكم فقد تولتها تلك الفترة، وما  تزال بثمن باهظ، لا داعي لذكره، ويكفي ما في النفس من حسرة.. وذلك للسير في سياق "سنن" إلهية لم تكن لتسمح إلا لنسق محدد لدى رب العزة للحكم باسم "الإسلام"، ومن بعد من أجل السير في "سياق إلهي" بعد اندحار الإنقلاب، سياق  متمايز مرتقٍ فوق الأخطاء .. سواء أكانوا خارج الحكم أم بداخله..
    أما "خطايا" العسكر فإن الله تعالى أراد لقائدهم أن تتم فضيحته قليلاً فقليلاً، أو أن يتم وضعه على "السفود" أو "سيخ الشواء" فيسيل "دهنه" قطرة قطرة، هو وكرامة ومعنويات مؤيديه، كما يُنقى التيار الإسلامي في المقابل من قليل الخطأ..
    وكانت "قطعة" الدهن السائلة في تسريب قناة "مكملين" مساء السبت الماضي هائلة في الحقيقة.. ولم تثبت مقدار حقارة السيسي وحده، وإنما الذين أعانوه من خارج مصر، وقبّلوا على أنفسهم ان يتعاملوا مع رجل بهذا "الانحطاط" في مقابل الرئيس محمد مرسي..
     أما المصريون الذين على عهدهم مع الإنقلاب حتى الآن .. فهؤلاء آيات الله تعالى باقية لهم ..لم تنته ولم "يصبهم" الدور بعد..
                                          (4)
    وبحساب من علمته التجربة تعليماً مُرّاً انتظرتُ رد فعل "دولة الخيانة" أو العسكر يوم الأحد، فكبيرهم الذي علمهم الخيانة "ممسوك" من لسانه يقول بإن الأمريكان ليسوا بأكثر نذالة من عسكر مصر، وإن مليارات الدولارات الخليجية "تؤكل" على كل حال من أمريكا، فليس من ضير أن يأكلها هو، وإنه لا شرف عسكري ولا مدني في حكم مصر في ظل العسكر، والأمر كله منفعة، وسرقة علنية وضمنية، وإنه لا تعليم ولا ثقافة كما إنه لا عهد ولا ذمة ولا أمانة لهم، وكله "بتاع" كقول السيسي .. وهي كلمة بالغة القبح في "العرف" المصري المبتذل..
     ولكن يبدو إن الأحداث الجسام لها ردة فعل لا تخطر على بال، قال السيسي إن أموال الخليج كما الأرز، وهو بالتالي متعهد شحاذة منهم في العلن، سبّ في الخفاء، ولكن إذا ظهر الخفاء إلى العلن فلابد من رد فعل ينسي الخفاء والعلن..وكانت مذبحة أكثر من واحد واربعين من مشجعي النادي الزمالك على أبواب استاد عسكري مروعة..اللهم اجعلهم أقل من هذا الرقم، وهو على أكثر تقدير حتى الآن..
    أراد السيسي أن ينسي الخليج الأرز الذي قاله عنهم فخلطه بالدم القاني بديلاً عن "الصلصة"..
كذلك صار الدم المصري بالغ الرخص..  
   وكذلك ما كان للشياطين من مؤيدي السيسي ان تصحو إلا على "بلاياه" التي يعجز الشيطان عن توقعها..
                                         (5)
   في عرف الفتوات ممن كانوا ينوبون عن وزارة الداخلية في حكم حواري مصر، منذ سنوات ليست بعيدة، فإن من كان يتجرأ على قول الحق في عين كبيرهم.. يُقتل، فإن كان الفتوة أكثر "قذارة" قرر أن "يغتال" اسرته ليعيش بحسرتهم..
   أما في عرف رب العباد فإن فرجاً كبيراً لينتظر مصر.. لكن بحسابات رب العباد التي ليست كحساباتنا، وبمآلات لا تخطر على بال لنا، وصولاً لدروس تعلمنا بعضها .. والبعض الآخر قادم مع نهاية الظلمة..
     "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً" سورة الإسراء الآية 51..