بقلم: أحمد الحارون
.....
كنتُ دائماً على يقينٍ بزوالِ الظلمِ ومازلتُ، وأكادُ أراه متحققاً وإن بدا بعيد المنال، فرغم أهمية الأسباب والأخذ بها كحلقةٍ هامة من حلقات النصر، لا يجب علينا أن ننسى خالق الأسباب، ولابد أن نحقق :"ولا تنازعوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ "، وحين أرى التنازع والاختلاف على السطح بادياً يطمئن قلبي أن الأمر لم يحن بعد، وحين أجد البعضَ يتخلى ويقفز من السفينة يغمرني الأمل في قرب النصر، فغرابيل المحنة تغربل، ولن يبقى إلا مَنْ عرفَ اللهُ صلاحه وحسنت نيته، وعلى قناعة أن كلَّ يوم يمرُّ يقربني من الموتِ أو النصر، أو كليهما، وليست العبرة بشهود اللحظة، لكن العبرة أن تكونَ على الدربِ وإن لم يسعفك القدر لقطف الثمرة، ومن مات وهو بعد في أول الطريق كمن مات في نهايته، وهما في الأجر سواء، فلا ينتابُ أحدنا الضعف مما حدث بالأمس، ولا يتسلل اليأس إلى داخلنا من تغول آلة الظلم، فعلى كلِّ واحدٍ منا أن يعيد ترتيب نفسه، ويفزع إلى ربه ويحسن به الظنَّ، فـــ الماءُ ولو كان قليلاً إن دام انحداره على الحجر لم يزل به حتى يثقبه، ولا تستهينوا بقليل العمل، فأفضل الأعمال أقلها وأدومها. واعلموا أن آفة الدنيا هي الركون للظالمين؛ لأن الركون إليهم إنما يشجعهم على التمادي، وأدنى مراتب الركون ألا تمنعه من ظلم غيره، وأعلى مراتب الركون أن تزين له هذا الظلم؛ أو تزينه للناس، وإسقاط هذا الكلام على الواقع يعني أن الجميع ظالمون إلا من رحم. فــ لا تتعجل .. ولا تستبطئ نهاية المعركة ، واعلم طبيعتها وحقيقتها، إنها قديمةٌ قِدم هذه الحياة، لكن تختلف الشخوصُ، وتتجدد الابتلاءاتُ، إنها يد القدرة التي تكتب النهاياتِ فلا تبتأس، هي معركة الحق والباطل، هي المعركة التي يبتسم فيها المقتول لقاتله، وفيها يعشق المسجونُ قيوده، وفيها يتنزل الصبر على أهل البلاء فينغص على الظالمين نومهم، وهي الحكمة وراء الإمهالِ قليلا... وهو قليل حتى لو استغرق عمر الحياة الدنيا ، فما عمر الحياة الدنيا إلى جانب تلك الآباد المجهولة المدى؟ وكلُّ معنى جميل يكون معكَ على قدر ما تكون معه، فتصير المعاني حقائقَ بينك وبينها نسبٌ وصهرٌ، فصبرٌ جميلٌ. نعم قد تطول المحنة، والمحنة قد تكون للابتلاء..  ولكن الابتلاء إنما يجيء لحكمة، هي استكمال حقيقة الإيمان ومقتضياته من الأعمال – كما وقع في أُحُد وقصَّهُ الله على المسلمين –  فمتى اكتملت تلك الحقيقة بالابتلاء والنجاح فيه، جاء النصر وتحقق وعد الله عن يقين، وحين يُقرر النصُّ: أن الله « لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلًا »، إنما يدعو الجماعة المسلمة لاستكمال حقيقة الإيمان في قلوبها تصورًا وشعورًا ومعايشة ووجداناً، وفي حياتها واقعًا وعملًا وقولا وسلوكاً، وألا يكون اعتمادها كله على عنوانها، فالنصر ليس للعنوانات ولا للخطب الرنانة ولا بكثرة السواد، إنما هو للحقيقة التي وراءها، وليس بيننا وبين النُصرة في أي زمان وفي أي مكان، إلا أن نستكمل حقيقة الإيمان، ونستكمل مقتضيات هذه الحقيقة في حياتنا وواقعنا كذلك. ومن حقيقة الإيمان أن نأخذ العُدة والعَدد، ونستكمل القوة والمدد، لأن الإيمان صلة بالقوة الكبرى، همزة الوصل بين السماء والأرض، لا تَضعُف ولا تفنى ولا تعرف الفناء واليأس، وإن الكفر مهما تجبر وسيطر منقطعٌ عن تلك القوة ومنعزلٌ عنها، ولن تملكَ قوةٌ محدودة مقطوعة منعزلة فانية أن تغلبَ قوة موصولة بمصدر القوة في هذا الكون جميعًا، غير أنه يجب أن نُفرِّق دائمًا بين حقيقة الإيمان ومظهر الإيمان، إن حقيقة الإيمان قوة حقيقية ثابتة ثبوت النواميس الكونية لا تتبدل ولا تحابي، وهي ذاتُ أثر في النفس وفيما يصدر عنها من الحركة والعمل، وهي حقيقة ضخمة هائلة كفيلة حين تُواجِه حقيقة الكفر المنعزلة المبتوتة المحدودة أن تقهرها. ومن نِعمِ اللهِ على المؤمن الواثق في خالقه أنه يعيش النصر ويستشعره ويستشرقه قبل حدوثه، بل يراه رأْي العين في أحلك الأوقات، وعلى قدر ألم المخاض يكون الميلاد الجديد، والظالمُ دائماً أبله حيث يظنُّ أن إبليسَهُ منتصرا، فيا أيها المظلوم ... استمتع فلقد ذقتَ طعم النصر قبل غيرك. " ونصر الله قريب".