بقلم - شرين عرفة :
 
لم يخل مجتمع على مر العصور والأزمان من وجود جهاز أو كيان ما، مهمته حفظ الأمن والحفاظ على الممتلكات والأفراد ،وتنظيم شئون المجتمع .
 
ويقال إن أول من أسس جهازا منظما للشرطة على بساطته هو الخليفة "عثمان بن عفان" أثناء الوجود العربى فى مصر، ويعود الأصل اللغوى لكلمة شرطة إلى «شرط»، وتعنى العلامة ،وذلك لأنهم جعلوا  لأنفسهم علامة يعرفون بها، لكي يتعاون الناس معهم ويمتثلون لأوامرهم .
 
فالشرطة مهمتها الأولى والأخيرة : هي حفظ الامن في المجتمع والحفاظ على حياة الأفراد وممتلكاتهم .
 
* أما في مصر فالوضع جد مختلف ، وسأثبت لكم باستعراض سريع لنذر بسيط من الاخبار التي وردت في الصحف المصرية خلال ثلاثة شهور مضت، حيث نقرأ فيها ما يلي :
 
*مصرع سائق توك توك علي يد امين شرطه في مشاجره بالبحيره.
*مقطع فيديو لـ 3 امناء الشرطه وهم يمثلون بجثه احد الاشخاص ويعبثون بها داخل مشرحه مستشفي الخانكه العام ، والجثة يظهر عليها آثار التعذيب.
*إغتصاب امين شرطه لمعاقه ذهنياً بقسم شرطه امبابه .
* مصرع مواطن بحرم قسم المنتزه أول علي يد امين شرطه.
*مصرع احد الاشخاص علي يد امين شرطه بقسم امبابه بـ 4 طلقات ناريه، عقب وقوع مشاده كلاميه بينهما.
*حبس ضابط بشرطة السياحة بالغردقة بعد اتهامه باختطاف سائحة روسية وإغتصابها.
*شاب لقي مصرعه في البحيرة وتوفي في الحال علي يد امين شرطه ضربه بالنار في مشاجره اندلعت بينهما .
*فتاة تتعرض لمحاولة إغتصاب من قبل مجموعة من ضباط شرطة رأس البر بعد ان أجبروها على الرقص لهم .
*فتاة تتهم رقيبي شرطة في محافظة المنيا بمحاولة إغتصابها بعد أن ارسلاها إلى شقة للأعمال المنافية للآداب والتعدي عليها هناك .
 
عشرات الأخبار التي يتم السماح بها ونشرها وأضعافها لا يتم السماح بها عن جرائم ارتكبها أفراد وعاملون في المؤسسة الأمنية في مصر ،رجال مهمتهم هي حفظ الأمن والقضاء على الجريمة ؛ يرتكبون أعتى الجرائم ويشكلون هم مصدر الفزع الأول لدى المجتمع .
 
*من أول الحكاية :
 
تعد وزارة الداخلية واحدة من أقدم ثلاث وزارات في مصر، إذ تأسست عام 1878 باسم نظارة الداخلية، ومعها نظارة الجهادية (الحربية أو الدفاع)، ونظارة المالية،
و وزارة الداخلية بجانب كونها المنوطة بالحفاظ على حياة الأفراد والممتلكات، فهي تمثل الذراع الأمني لأي سلطة مستبدة تريد الحفاظ على نفوذها وإخضاع المعارضين والمناوئين لها ،
 
ولأهميتها تلك فقد احتفظ العديد من رؤساء الوزراء  المصريين لأنفسهم بمنصب وزير الداخلية لما يمثله من ثقل يجعله المحرك شبه الرئيسي للأحداث في البلاد حيث يمكنه التحكم في الانتخابات واختيار رجال الإدارة ومراقبة خصومه السياسيين، 
وجاء تولى "سعد باشا  زغلول" لمنصب وزير الداخلية إلى جانب رئاسته للوزارة المصرية عام 1924 تجسيدا لذلك .
 
 وحين أعلنت الجمهورية في مصر عام 1952 حرص جمال عبد الناصر عضو مجلس قيادة الثورة  حينذاك ورئيس الجمهورية فيما بعد على تولى وزارة الداخلية في اطار محاولته الحفاظ على دوره الذي يرسمه لنفسه وهو ما يجعلنا ندرك جيدا أهمية ذلك المنصب .
 
*ومع تعيين السادات لوزير الداخلية ( النبوي إسماعيل ) بعد مظاهرات  18 و 19يناير عام 1977  أو ما يعرف ب "انتفاضة الخبز "  بدأت مرحلة جديدة تماما فى تعامل وزارة الداخلية مع الحياة السياسية ، والتى انتهت باعتقال المئات من الكوادر السياسية ، وتجميد الحياة الحزبية في مصر ،
 
حيث شهدت هذه المرحلة توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وبدء مرحلة السلام مع إسرائيل، ومن هذا التحول السياسى الكبير، بدأت الذراع الأمنية فى الامتداد شيئا فشيئا فى كافة مناحى الحياة ،  فشهدت هذه المرحلة التزوير الكبير فى انتخابات مجلس الشعب عام 1979، 
وعددا من الاستفتاءات المزورة مثل الاستفتاء على قانون (العيب) ،ثم حملة اعتقالات واسعة ومكثفة نفذها "النبوى إسماعيل".
وانتهى هذا الفصل من تاريخ مصر باغتيال السادات فى 6 أكتوبر عام 1981.
 
* تولى مبارك حكم مصر بعد إغتيال سلفه أمام ناظريه ، فكان الهاجس الامني لديه هو الأعلى على الإطلاق بين جميع من تولوا الحكم ، 
جرى العرف في عهده على إختيار وزير الداخلية من قيادات جهاز أمن الدولة ،وهو أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من اختلاف مسمياته عبر الحقب التاريخية التي شهدتها مصر من "القسم المخصوص" إلى "القلم السياسي" إلى "المباحث العامة" إلى "مباحث أمن الدولة"، حتى أصبح اسمه "قطاع مباحث أمن الدولة ثم "جهاز أمن الدولة"، إلا أنها مجرد لافتات متنوعة لكيان واحد هو إدارة تتبع إدارياً وزارة الداخلية، وتوكل إليها مهام الأمن السياسي، وكانت بداية تأسيس هذا الجهاز على يد الاستعمار البريطاني عام 1913 لتعقب الوطنيين والمقاومين للإحتلال،
 
وبعد توقيع معاهدة سنة 1936 بدأ الوجود البريطاني في التراجع، وانتقلت مسؤولية الأمن السياسي الداخلي إلى عناصر مصرية من وزارة الداخلية .
 
*ومع بداية حلم مبارك بتوريث زعامة مصر لابنه "جمال " ،وبعد أن نما لعلمه تململ العديد من قيادات الجيش من هذا الأمر ، فلم يكن "جمال مبارك" في نظرهم سوى رجل مدني لم يعرف الجيش ولم يتربى فيه وولاءه الظاهر لطبقة من رجال المال والأعمال تحيط به وتتقاسم خيرات البلاد مع حيتان الجيش .
وأمام ضيق القيادات من رغبة مبارك بالتوريث ؛سعى الأخير جاهدا لتقوية وتغذية المؤسسة الأمنية وزيادة روافدها لتصبح كيانا أمنيا موازيا لمؤسسة الجيش ، يستطيع مبارك من خلالها الحفاظ على نظام حكمه وتجريف الأرض سوى من نبتة واحدة عفنة يمكنها النمو من بعده والتربع على عرش مصر هي ابنه " جمال" .
 
 
*أصيبت المؤسسة الأمنية بالتضخم قبيل ثورة الخامس والعشرين من يناير ،
فقد ازداد عديدها ليصل إلى مايقدّر بـ1.4 مليون، وفقاً لبعض التقديرات، أو مايعادل قرابة 1.5 أضعاف حجم القوات المسلحة واحتياطيها مجتمعَين. 
وفي غضون ذلك، ارتفعت ميزانية وزارة الداخلية السنوية ثلاثة أضعاف مقارنةً بالزيادة التي شهدتها ميزانية الدفاع .
 
وقد أطلق مبارك العنان لها ولرئيسها متمثلا في وزير الداخلية وكان وقتها اللواء "حبيب العادلي"،  وبدا للجميع أن المؤسسة الأمنية في مصر هي الحاكم الفعلي للبلاد ، بداية من الفراش ووصولا لرئيس الوزراء ..لا يمكن أن يتسلم احدا  وظيفة مهما كانت بدون موافقة الأجهزة الأمنية .
 
*اتسم عهد الوزير "حبيب العادلي" باستمرار الانتهاكات البشعة لحقوق  الانسان كما انتشر  استخدام التعذيب المنهجي  في أقسام الشرطة والاعتقال التعسفي من قبل الشرطة وجهاز أمن الدولة .
 
في  فترة  ادارة العادلي للداخلية تم تغيير شعار الشرطة الشهير "الشرطة في خدمة الشعب" ، إلى شعار  آخر لم يكن ليعبر غيره عن طبيعة العلاقة التي اصبحت  بين  المصريين والنظام الحاكم  وهو "الشرطة والشعب في خدمة الوطن " حيث حول العادلى العلاقة بين الأمن والشعب إلى علاقة عداء وكراهية لم يسبق لها مثيل .
 
يعتبر التعذيب المنهجي الذي  صدق عليه العادلي وطبقه في كافة اقسام الشرطة وفي المعتقلات هو النواة التي رسخت  لثورة الخامس والعشرين من يناير ويعتبر حادث قتل وتعذيب  الشاب السكندري "خالد سعيد" هو المسمار قبل الاخير في نعش فترة حكم مبارك بمساعدة قبضة العادلي الحديدية . 
 
* بل ان الإتفاق على ان يكون موعد إنطلاق المظاهرات المطالبة بسقوط النظام في يوم عيد الشرطة في الخامس والعشرين من يناير هي أبلغ رسالة من الشعب بأنه قرر إسقاط نظام الحكم المستبد و قطع يده الطولى المتمثلة في المؤسسة الأمنية .
 
ومع النجاح المرحلي للثورة في الإتيان بحاكم يختاره الشعب وبانتخابات حرة ونزيهة وهو الرئيس "محمد مرسي" ، أحس الشعب لأول مرة بأن الشرطة لم تعد سيفا مسلطا على رقاب افراده ،ولا خنجرا بيد الحاكم مغروس في خاصرة البلاد ،
 
ولكن الإنقلاب على ثورة يناير قد بدأ الإعداد له منذ خطاب التنحي وتكليف القوات المسلحة بإدارة شئون البلاد ، و كان للشرطة والأجهزة الأمنية دورا هاما ومحوريا في ذلك الإنقلاب ،
 
حين تخلت الشرطة عن أداء دورها في حماية أمن المواطن ، وإعتبر الكثيرون من أفراد الشرطة ان فترة ما بعد الثورة وخاصة سنة حكم الرئيس "محمد مرسي" هي إجازة لهم كي يرتاحوا فيها، ويدفع الشعب ثمن غلطته المريرة في القيام بالثورة و الخروج على النظام ،
 
ولم تكن تصريحات "محمد إبراهيم" وزير الداخلية قبل وبعد الإنقلاب ، ووعده للشعب بعودة الأمن بعد عزل مرسي ، سوى إقرار صريح منه بأن غياب الأمن كان قرارا من تلك المؤسسة الخائنة للشعب ، والتي لا تعترف بتبعيتها لمن يدفعون لأفرادها رواتبهم ،
 
ومع خالص الإحترام للنماذج الشريفة والحرة في تلك المؤسسة ، تبقى الخيانة للشعب والتبعية لدولة عميقة وفاسدة هي السمة الأبرز للمؤسسة الأمنية في مصر بشكل عام.
 
ومع أول ايام الإنقلاب ، بدأ الشعب المصري يشعر بأن المؤسسة الأمنية قد عادت لسابق عهدها من الوحشية والفساد ، وعادت كل أشكال القمع والتعذيب والتنكيل بالمواطنين ، بل وجدنا حالة  أشبه بالسعار  أصيبت بها عناصر فاسدة من الشرطة ،جعلها تعقر كل من يقابلها بلا تمييز ،سواء مؤيد أومعارض، فلم تعد الشرطة في مصر لنهش أجساد المعارضين فقط ، بل لنهش أجساد المواطنين كافة . 
 
**يقال أن كلمة «البوليس» هى مفردة يونانية الأصل وتعنى بالعربية "المدينة" بكل ما تحمله من تطور وحضارة وأمن ،ومع التلازم الذى نشأ بين المدينة واستتباب الأمن، أطلقت كلمة «البوليس» ليس على المدينة فقط، بل وعلى من اختيروا للقيام بحماية أمنها ، واستخدمت الكلمة فى مصر مع بداية فترات الاحتلال الأوروبى لها خاصة الاحتلال البريطانى .
 
ترى ...لو اراد المجتمع المصري اليوم إعادة تسمية المؤسسة الأمنية و جهاز الشرطة  لديه ، فبماذا يسميه ؟؟