بقلم: صادق أمين

 
أفاقت مصر بل العالم في الساعات الأولى من صباح يوم 2013/8/14 م على أكبر جريمة شهدتها مصر عبر تاريخها، حتى أنك لا تكاد تمر بخاطرك بله أن ترى صورة أو مشهد إلا أن تنتفض و الألم يحز في نفسك و العبرة تترقرق في عينيك عقب درس مؤثرٍ باكٍ، درس تمتزج فيه البطولة بالخيانة، و التضحية بالغدر و الماضي بالمستقبل.
 
و إذا كان هنالك في هذه الدنيا من شيء يُسمَّى الشرف فلا شيء يشرفني أكثر من أكون واحداً من هؤلاء الأبطال، و يالها من حسرة إذ لم أكن معهم شهيداً؛ إذ كنت خارج حدود مصر.
 
فقد كانت رابعة الصمود مدرسة للرجال بل جبابرة الكفاح الشريف؛ وجدوا فيها مأربهم، و مرت بهم الأيام و الليالي يراودهم حلم التغيير في حياة نظيفة كريمة لا ذل فيها أو استخفاف بالإنسان و مستقبل أفضل تسوده الحرية و النهضة.
 
فأثار صمودهم نفوس الظالمين و الحاسدين، و أزعجهم ألا تلين إرادتهم، وإلا فقل لي أيها الظالم الباغي _ بالله عليك _ :
 
ماذا جنوا حتى أرقت دماءهم  ***  و بأي حقٍ في مضاجع وُسِدوا
 
فقد كانوا _ و ما زالوا _ رجالاً في الوقت الذي خان فيه غيرهم أو ممن خافوا على أناقتهم الثورية  أو  ممن لا يريدون أن  يتحولوا _ حسب زعمهم _ إلى جسر يعبر فوقه الإخوان المسلمون.
 
و هكذا في قلب المعركة يُمتحن كل طرف ليشهد التاريخ عمن يملك الحل و من يمثل الأزمة؛ في الوقت الذي - و الكلام للدكتور الجوادي _ كانت الشبابيك كفيلة لنا بالهروب من القطار مراتٍ عديدة؛ لأن الانقلاب كان يسير بسرعة بطيئة لا تهدد من يقفز من شبابيكه.
 
فأبت نفوسنا حسبة لله و لسان حالنا:
 
إذا حُمِلْتُ على الكريهة لم أقلْ ****  بعد الكريهة :  ليتني لم أفعلِ
 
و سينهض التاريخ شاهداً أننا اخترنا طريق الحق و مقاومة الانقلاب عن قناعة بأنه الفعل على طريق التحرر و يصبح علينا أن نمضي في طريقه بقدر إيماننا بأننا اخترنا الطريق الصحيح؛ لأن غيابنا كان يعني المراهنة على مصر كلها.
 
أقولها و الدموع غزيرة لقد قضت رابعة عمرها مثل الزهور؛ عيشها قصير و لكنها تركت عطرها فواحاً في نفوسنا و الحمد لله إذ تركت بها عاطفة سامية لا تعمر إلا القلوب الكبيرة.
 
و عهدٌ قطعناه لك يا رابعة
تمرُ بنا الأيامُ و العهد بيننا  ****  على الثأرِ من جلادنا يتجددُ
دعِ الدهر يمضي والليالي تنقضي ****  فنحن على الأيام للقومِ رُصَّدُ
فسلام الله على من قضى ، و باركِ اللهم فيمن بقى .