م. شاهين فوزي : 
 
بينما يحبس الجميع أنفاسه انتظاراً للهبة الثورية المرتقبة بعد ساعات فى الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير ، وبينما تتوالى الدعوات للإصطفاف وإعادة اللحمة الشعبية وهى دعوات صدرت من الاخوان المسلمين و التحالف الوطنى  ومن بعض القوى الثورية ، وهو ما بات ضرورة ملحة فى ظل ثورة كاشفة تستهدف جسد النظام العسكرى الأمنى الذى نجح فى احتواء ثورة يناير 2011 وتفريق صفوفها قبل أن يقوم بالانقلاب عليها فى 3 يوليو والانقضاض على مكتسباتها واحدة تلو الأخرى.
يجدر بنا أن نستقرأ بعض ملامح المرحلة العسيرة التى تمر بها الثورة المصرية :
- ينفرد الانقلاب العسكرى الدموى فى مصر فى كونه يمثل إرادة جامعة لمختلف الاطراف الدولية والاقليمية ، وهى ارادة رأت فى تجربة ديمقراطية اسلامية فى مصر مؤشراً للخطر على مصالحها (دول الخليج) بل على وجودها ذاته (اسرائيل) لذا رأينا أن الأضداد على الساحة الدولية قد اجتمعت على دعم ومباركة الانقلاب أى أن أمريكا وحلفائها كالاردن و السعودية والكويت والامارات ، بالتوازى مع ايران وحلفائها فى العراق وفى نظام السفاح بشار فى دمشق ، وهم جميعاً مع الكيان الصهيونى يقدمون كامل الدعم المادى والدبلوماسى لقادة الانقلاب الدموى فى مصر.
- قام الانقلاب إذن بإرادة دولية عبر أدوات محلية عسكرية مهيمنة على المشهد طوال العقود الست الماضية  و أدوات فلولية فاسدة من رجال أعمال مبارك و أخرى إعلامية مهدت الأجواء وشحنت الجماهير المحبطة من  المشكلات الحياتية التى احكمت عليها الخناق لتُساق نحو إنهاء أول تجربة ديمقراطية فى التاريخ المصرى.
- فالثورة ليست فقط ضد السيسى وقادة العسكر والأمن ممن قتلوا وحرقوا واعتقلوا الآلاف ، ولكنها بالأساس ضد الارادة العربية الدولية التى صنعت الانقلاب و أجهضت ثورة يناير ، فمسار كسر الانقلاب هو فى الحقيقة كسر لبقاء مصر خاضعة للحلف الصهيونى الأمريكى ، وبالتالى فان نجاح الثورة هذه المرة سيغير من موازين أقليمية كثيرة تتعلق بالأساس باسرائيل لذا سيدعمون الانقلاب حتى نفسه الأخير حتى يتيقنوا من إستحالة استمرار الانقلابيين فى الهيمنة على مقدرات البلاد ، أو حين يخشون من حدوث فوضى عارمة يتمخض عنها نظام أصولى يهدد أمن الصهاينة .
- فى ظل حرب الدعاية السوداء التى يشنها الانقلاب عبر صحفه وفضائياته الحكومية والخاصة يبدو أن الثوار بحاجة لمخاطبة الشارع المصرى برسائل موجزة واضحة تؤكد أن تلك الهبة الثورية ضد العسكر هى امتداد ليناير 2011 تحت عنوان  الحرية والكرامة الانسانية التى يشعر المصريون بمرارة انتزاعها .
- أن استعادة المسار الديمقراطى تعد هى الأساس لخروج البلاد من الدرك المظلم الذى حشرت فيه ، وفى هذا الصدد فإن الحل التوافقى سينب
ثق من إطار عودة الشرعية الدستورية كمقدمة لخريطة طريق ما بعد دحر الانقلاب.
- أن الاستسلام ليس خياراً فى هذه المعركة التى قد تقصر لأسابيع وقد تطول لسنوات فهى معركة وجود ، لأن الاستسلام سيعنى تسليم مقدرات البلاد لاعدائها والمستبدين بها لعشرات السنين وهو ما سيكتوى بناره أبناؤنا و أحفادنا بعد أن تنحدر مصر الى مصاف الدول المتخلفة الفاشلة تحت حكم التزوير والقمع والاستبداد ، فمقاومة الانقلاب تعد واجب الوقت وطنياً ودينياً فى سبيل إستعادة بلادنا من أيدى غاصبيها ومستعبديها .
- أننا علينا ألا نتوقع نصراً قريباً أو يسيراً كما كان فى سيناريو إحتواء يناير2011 لأن المعركة هذه المره واضحة المعالم فهى ضد أجهزة الدولة العميقة التى تهيمن على مصر طوال ال 60 عاماً الفائتة أى ضد قادة العسكر وقادة المخابرات والداخلية ، وهى تستهدف تطهير تلك الأجهزة السيادية وتطهير القضاء المخترق من منظومة الفساد ثم تقوم بملاحقة الفاسدين والقصاص للشهداء والمصابين ، قبل أن تؤسس لدولة الحقوق والحريات  .
فعلى قدر ثقل تلك الأجهزة العميقة تأتى صعوبة المعركة الثورية ، و ندرك حجم التضحيات المبذولة فى سبيل الخلاص منها ، ونحن لسنا بدعاً من الشعوب التى ثارت وناضلت لسنوات فى وجه القهر والاستبداد العسكرى حتى نالت حريتها واقتنصت كرامة أبنائها .
فلننطلق الى ثورة جديدة دون استعجال للنصر ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم ((إن الله لا يعجلُ كعجلة أحدكم إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِته))
أما من يحدثنا عن استقرار الوطن فى قاع الاستبداد فاننا نسأله على لسان أحمد مطر:
نموت كي يحيا الوطن
أي وطن؟
الوطن المنفي !..
أم الرهين الممتهن؟!
أم سجننا المسجون خارج الزمن ؟!
نموت كي يحيا الوطن
كيف يموت ميت ؟
وكيف يحيا من أندفن ؟!
نموت كي يحيا الوطن
يحيا لمن ؟
نحن الوطن !
إن لم يكن بنا كريماً آمناً
ولم يكن محترماً
ولم يكن حُراً
فلا عشنا.. ولا عاش الوطن!
@shahinfawzy