د/ حمدي شعيب

بينما كنت جالساً وحدي أتأمل ما حولي وأتأمل ما يحدث في مصر الثورة ومن تداعيات الجولة الأولي من انتخابات الرئاسة ومانتجت عنه من معضلة سياسية لا ولن يحلها إلا تعاون واتفاق شركاء الثورة ورفقاء الميدان وأصدقاء سجون المخلوع.

سواء كانت سجوناً مادية ما بين طرة وأخواتها وبين غرف لاظوغلي الكئيبة المهينة وأخواتها في كل مكان كلن لأمن الدولة وجود سرطاني داخل مصر الحبيبة.

أو سجوناً معنوية لم يسلم منها أي فرد من أي طائفة من طوائف وفئات مجتمعنا؛ فكان كل مواطن يشعر وكأنه سجين بيته أو عمله أو سجين نفسه وداخله حتى ولو لم يزر طرة وأخواتها!؟.

هذه المعضلة هي انقسام الجماعة المصرية إلى فريقين متمايزين في حالة لا تقبل رمادية المواقف:

فريق تتملكه نفسية العبيد التي تمتلكها حالة (الماسوشية) التي تحب جلاديها وتعشق معذبيها وتلعق حذاء راكليها؛ فتحن إلى الماضي وعبوديته وألمه من أجل حفنة من الوعود ومن النقود التي باع بها صوته وراء سراب الإغراء المادي وتحت تأثير وتخدير مطارق دكاكين (التوك شو) اللعينة والجهنمية!؟.

وفريق يحمل نفسية الأحرار الذين يمتلكون حلماً كبيراً بمستقبل كريم لهم ولمصرهم الثورة ولأحفادهم!؟.

حفيدي يقتحم خلوتي!:


وفجأ دخل عليَّ حفيدي فقطع علي تأملاتي ولم يترك لي فرصة حتى لاحتضانه؛ وبادرني قائلاً ببراءة الأطفال وجراءة جيل واعد لم نرى مثله:

جدي الحبيب؛ هل تسمح لي أن أحصل منك إجابات صريحة وواضحة لأسئلة نتناقلها أنا وأصدقائي حول أجيالكم وما عاصرتموه من أحداث ثورة 25 يناير 2011.

ازددت ذهولاً وأنا أكتشف أنني في مواجهة ساخنة مع جيل حر وأمام مراجعات جادة لتقييم حصاد ما عاصرناه من أحداث؛ وقلت: يسعدني أيها الحبيب الرائع.

 فقال دون تأن: جدي الحبيب كانت هناك ثورة على الظلم ومن أجل الحرية والعدالة ولإعادة الكرامة لمصر في 25 يناير 2011.

1- لقد كان لها إرهاصات بسنوات وعقود قبلها، وشارك في صنعها صانعو الخيام الذي مهدوا لها الطريق فلم ينضموا لحزب النظام البائد والفاسد وعاشوا شرفاء معارضين بالقول والعمل.

فمع من كنت؟.

وهل تشرفت بأن تكون أحد صانعي الخيام؟.

أم شاب ثوبك بعض الارتماءات في أحضان حملة مباخره من السياسينن والإعلاميين والمواطنين؟.

2- لقد سمعنا عن جمهورية التحرير الفاضلة؛ فهل شاركت فيها؟.

3- وإن كنت شاركت فمن هم رفقاؤك الذين تعايشت معهم في الميدان أو أين صورك معهم؟.

4- وإن كنت شاركت فهل شاركت في الثمانية عشرة التاريخية الأولى؟.

أم زرت التحرير بعدها كسائح لالتقاط الصور التذكارية؟.

5- بعد هذه الأيام انقسمتم إلى فرق تتجمع حول جذورها وتعود إلى أفكارها.

فمع من كنت؟.

وناصرت من؟.

6- لقد عانت الثورة كثيراً من تداعيات سياسية وفكرية ودموية.

فهل كنت مما يسيمون (حزب الكنبة) فتجلس على الأريكة وتنتقد العاملين؟.

أم كنت مشاركاً ومنافحاً ومدافعاً انتصاراً لفكرتك ولرأيك؟.

7- لقد وقعت كل طوائف وفئات الجماعة الوطنية في أخطاء جسيمة وكارثية وتلك طبيعة الثوارات فهي تجارب بشرية، ولا يمكن مقارنتها بمراجع تاريخية، أو محاسبتها على مقاييس ثابتة.

فهل كنت تشرِّح الآخرين والمخالفين وتتساقط زلاتهم؟.

أم كنت ملتزماً مع مخلفيك في الأفكار والآراء بما تعلمناه منك من أدب الاختلاف؟.

8- لقد كانت الثورة تتعرض في كل منعطف في مسيرتها لرياح التحطيم وعواصف التدمير المضادة والأعاصير العاتية، وتلك طبيعة التجارب التاريخية التغييرية العظيمة.

فهل كنت ضمن ركب اليائسين المثبطين؟.

أم كنت ضمن ركب الحالمين المتفائلين دوماً إيماناً بربكم وحسن ظناً به سبحانه ويقيناً بقدرتكم؟.

9- لقد كان من ضمن أحداثها العظام استفتاءات وانتخابات عديدة.

فهل كنت ضمن السلبيين؟.

أم كنت ضمن المشاركين الإيجابيين؟.

وإذا كنت من الإجابيين؛ فمن هو الذي اخترته؟.

هل اخترت أحد الشرفاء الذين مهدوا وصنعوا وشاركوا في الثورة؟.

أم اخترت من تلوثت أيديهم بدماء مصر وأبنائها؟.

10- لقد كان لك رفقاء تلك المرحلة الثورية العظيمة.

فهل تستطيع مواجهة رفقائك في هذه الأيام لتقول لهم هكذا كان موقفي وهكذا كان دوري وهكذا كان صوتي الحر وهكذا كانت إيجابية زوجتي وأولادي معاً؟.

أم إنك تتحاشى مواجهتهم الآن؟.

11- هذه الفترات الحرجة والتاريخية تكون مراحل اختبار للأمم والأفراد أيضاً.

فهل التزمت بأخلاقيات الفارس التي لا تظهر إلا في الشدائد والمواقف التاريخية الفاصلة أم ...؟!.

12- أخيراً.

هل إجاباتك ستشرفنا من بعدك ياجدي؟.

أم أراك ـ ولا أظن ذلك ـ قد نكست رؤوسنا من بعدك؟.

جدي الحبيب؛ ...

لا تتعجل الإجابة بل لك فرصة  للتفكير والتسجيل لأنها تاريخ.

وتدبر معنا تلك الثورة التي بفضل الله ثم بفضل مفجريها وصانعيها وحماتها ننعم بهذا الخير وهذه الريادة التي تستحقها مصر الكبيرة؟!.

وأصبح لنا وطن نفخر به ونتيه به بين الأمم ونحن على مشارف العام 2025م.

رسالة ... ومراجعة:

فجأة أفقت من غفوتي على وقع كلماته الأخيرة؛ وعلى رسالة من حبيب تخبرني أن الهجمة الإعلامية الشرسة لا يقف أمامها إلا استشعار كل إيجابي مخلص أنه وحده على ثغرة فلا يجب أن يؤتى من قبله.

فصرخت؛ يا إلهي لقد منحتني فرصة لأصنع تاريخاً لوطني ولنفسي ولأبنائي بل ولأحفادي من بعدي.

تاريخاً أفخر به ويفخرون به.

وحتى لا يلومنا أحفادنا!؟.
_________

زميل الجمعية الكندية لطب الأطفال (CPS) - خبير تربوي وعلاقات أسرية

[email protected]