بقلم - عزت النمر :

لاشك أن العالم ينطوي على تحالفات كثيرة وتناقضات كثيرة كذلك, وأن هناك مكونات ومصالح تحكم وتتحكم في هذه الأحلاف وتلك الصراعات .

دراسات كثيرة تحدثت عن صراع للحضارات أيدها البعض ورفضها البعض الآخر , أما المصالح والإلتقاء عليها والإختلاف فيها وإستهدافها فلا أعتقد أن عاقلاً يتغافل عنها أو ينكرها.
قد نختلف في تقدير مصلحة ما أو في تحديد المستفيدين والمتضررين منها ومدى الصراع عليها وأطرافها وقواعد اللعبه فيها , لكنها والحرب الدائرة حولها تظل من البدهيات التي لاتحتاج إلى آية أو دليل .

من هذه البدهيات المستقرة والتي ليست في حاجة الى إثبات أن للغرب وأمريكا جملة من المصالح في منطقتنا العربية والتي أسموها بمنطقة الشرق الأوسط على غير سبب مستحق , اللهم إلا أن يكون السبب كامن في التأكيد على أن اسرائيل جزء مستقر منها , الأمر الذي يُنفى بشكل ما طالما ظلت المنطقة العربية إسماً لها .

وعلى ذكر المسمى المستحق أليس من الأجدى أن تسمي بالمنطقة الإسلامية على اعتبار أنها تحوي مقدسات العالم الإسلامي ولكون الغالبية العظمى من سكانها مسلمين , وليس في هذا إنتقاصاً من أقليات تقطنها مسيحية كانت أو يهودية .

بعيد عن الأسماء وولوجاً مباشرة الى الأهم وهو المصالح وبعيداً عن ملف اسرائيل .. ثمة تساؤلات عديدة تفرض نفسها في هذا الإتجاه منها على سبيل المثال :
هل للغرب مشكلة أو تعارض من قبيل المصالح البحته مع الإسلام  ؟!
بمعنى آخر هلى يخشى الغرب على مصالحه في المنطقة من الإسلام  ؟!
أم أن الغرب يتحرك من منطلقات ايديولجية تكره الإسلام  وتعاديه ؟
دعونا نتجاوز السؤال الأخير ونقبل تصريحات كثير من المسئوليين الغربيين التي تنفي بحسم ــ كما يعلنون ــ معاداة الإسلام , بل ويرحبون به ليس فقط في عالمنا العربي فقط  بل حتى في بلادهم

هذه الأسئلة تقود إلى السؤال الأهم في هذا السياق وهو.. هل هناك اسلام يرحب به الغرب وإسلام آخر يرفضه ؟!
بمعنى أدق .. هل هناك شكل ومواصفات للإسلام يريده الغرب ويقبل أن ينسجم معه بلا صراع أو مغالبه؟

اعتقد أن الاجابة نعم .. فالغرب ــ حسبما يعلن ويدعي ــ يرحب بالإسلام الوديع حينما تمثله وزارات أوقاف تتعامل معه كآثار أو مرجعيات عتيدة مقيدة بنظم محلية , ويرحب به كذلك حينما يعتنقه الأفراد في نطاق عبادات شخصية أو أخلاق فاضلة وسلوكيات مهذبة .

صورة أخرى ــ هي أيضاً للإسلام ــ ولكن يخشاها الغرب ولا يقبلها .. ذلك الإسلام الحاكم الذي يقدم نموذجاً حضارياً تُبنى من خلاله الدول وتُصاغ من أفكاره الحضارات والقيم , صورة الإسلام حين تكون الحكومة جزء منه والحرية فريضه من فرائضه , والعدل والانصاف ثمرة من ثمراته , والإستقلال الكامل احدى مشتقاته ونتائجه .

قد يقول قائل : هذا الكلام يحتاج الى دليل . حيث أن هذه القيم لو وُجِدت ما الذي يخيف الغرب منها , وهو الذي ما فتأ يُبِشر بها ويعتبرها منتجاً من منتجاته وإبداعاً حصرياً مسجل باسمه ؟! ..

بعيداً عن الثرثرة النظرية وخوضاً في الواقع الذي نعيشه والذي يفرض أسئلة كثيرة تواجه هذا الطرح وتفنده .. منها عل سبيل المثال : ما الذي دعا الغرب الى الدعم الكامل ورعاية الإنقلاب على الديمقراطية الناشئة في مصر رغم كون الديمقراطيه أَحد مخرجاته كما يزعم ؟!.

ما الذي يخشاه الغرب من نظام مرسي في مصر ودفعهم للتخلص منه وتجرع مرارة دعم إنقلاب عسكري المحظور السياسي الأكبر في العقل الغربي وثوابته السياسية؟!.
سيقول قائل ان الغرب دعم الانقلاب على مرسي لأنه كان يؤسس لاستبداد وديكتاتورية !! .


وجهة نظر .. ولكن  ماذا يختلف استبداد وديكتاتورية ــ حسب ادعائهم ــ يؤسس لها مرسي عن حكام وحكومات مصر الذي دعمهم الغرب لعقود كثيرة مضت؟! . أليس استبداد مرسي ونظامه مُبرر كونه أتى بانتخابات حقيقية , ومحددة سلفاً مدة ولايته ما يجعل خلعه بانتخابات أخرى مسألة وقت ليس إلا ؟!.


ماذا يختلف استبداد مرسي وديكتاتورية ــ كما يدعون ــ  عن حكام وحكومات في المنطقة مازال الغرب يدعمهم ويدفع في شرايينهم دماء الإستمرار والإستقرار ؟!.


السيدة كاترين أشتون كان لها تصريح شهير قالت فيه "ان سقوط العسكر في مصر سينهي الأزمة السورية لصالح الإسلاميين وسيجعل الإسلاميين في ليبيا وتركيا وتونس أقوياء وهذا سيدفع الشرق الأوسط الى سياسات وتحالفات لن تكوت في مصلحة روسيا ولا الولايات المتحدة ولا الإتحاد الأوربي ".

التصريح بهذا السفور من أحد أهم علامات السياسة الغربية ــ المنسِّقة العليا للسياسة الخارجية فى الاتحاد الأوربي ــ يحدد بما لا يدع مجالا للشك أن الغرب يحشد كل قواه بل يدعو حتى روسيا على ما بينهم من اختلاف ليشارك في معركة جديدة وصراع أشد لمواجهة خطراً يعتبرونه داهماً, يكشف التصريح بجلاء أنه حرب شرسة لــ "نمط ما من الإسلام " .

تُرى ما هو ذلك النمط من الإسلام الذي يجمع الإسلاميين في مصر وهم ضحايا لانقلاب العسكر بدعم الغرب ورعايته , وبين الاسلاميين في ليبيا وسوريا وهم يحملون السلاح في قضية عادلة دفاعاً عن الحرية , مع الإسلاميين في تونس الذين قدموا أكثر من غيرهم تنازلات مؤلمة حفاظاً على تجربة الديوقراطية الوليدة في تونس .

ومن عجب أن يشتمل التصريح هكذا صراحة على تركيا والتي أنتج الإسلاميون فيها تجربة رائعة من الديمقراطية لم يشفع لهم فيها مراعاة العلمانية التي استقرت في البلاد لعقود طويلة رعاها الغرب على ما غصَّت به من صور الاستبداد المطلق والفساد المهلك والعسكرة المقيتة .

أعتقد أنه الإسلام الحاكم .. ذلك النمط الذي يخشاه الغرب على مصالحة ومكتسباته , ذلك لأن الإسلام الحاكم يسعى لأن تستأثر الشعوب باستقلالها وتستمتع بمواردها وثرواتها , ويمَّكنها من إنتاج ديمقراطية نظيفه تناسبها , فضلاً عن أنه يمهد الطريق لتجمع اقليمي هائل القوى وفير الموارد سيعيد صياغة تحالفات العالم ويعيد النظر في قوانينه واولوياته ..
أعتقد أن هذا المارد " المحتمل " هو ما يخشاه الغرب و لا يتمناه .

[email protected]