خميس النقيب
ظاهرة الظلم فاجعة كبري، وكارثة عظمي ، تسقط المجتمعات وتدمر الهيئات وتنسف المؤسسات، وتزرع الويلات، الظلم في البيوت، الظلم في الهيئات، الظلم في المؤسسات، الظلم في الأعمال، الظلم في القلوب، الظلم في النفوس..!!
بل وتؤدي ظاهرة الظلم الي تهميش الشريعة، وتعطيل الرسالة، وتعمل علي سيادة القانون الوضعي وتنشر موالاة الاعداء ومعاداة الأصدقاء والحرب علي العلماء..!!
الإفساد في الارض شيمة المجرمين، وطبيعة المخربين، وعمل المفسدين، والفساد في الأرض ضياع للأملاك، وضيق في الأرزاق، وسقوط للأخلاق، انه إخفاق فوق إخفاق، وفشل وراء فشل، " ان الله لا يصلح عمل المفسدين " وبالتالي يتحول المجتمع إلى غابة يأكل القوي فيه الضعيف، وينقض الكبير علي الصغير، وينتقم الغني من الفقير، فيزداد الغني غني ويزداد الفقير فقرا، ويقوي القوي علي قوته ويضعف الضعيف علي ضعفه...!! ويتحول الوطن الي مجازر علي عينك يا تاجر،! ضحايا غرقي في الدماء وقتلة
اشرار طلقاء والحال ابلغ من المقال ..!!
لذلك الذي يطلق بعد اسره ويرضي بعد ضيمه ويعز بعد ذله و ينتصر بعد ظلمه ويجزي السيئة بالسيئة ولا يعتدي ولا يتعدي ليس عليه من جناح . وهو يزاول حقه المشروع ، في اعادة هيبته وعودة ضيعته، وجبرة كسرته، فما لأحد عليه من سلطان ولا لبشر عنده من حق ، ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد . إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس ، ويقهرون البشر ، ويبغون في الأرض بغير الحق . فإن الأرض لا تصلح وفيها مستبد والحياة لاتستقم وهناك ظالم لا يمنع من ظلمه ، وفيها باغ يجور ولا يقاوم في جوره
، وفيها مستبد لا يجد من يوقفه عند حده، . والله يتوعد الظالم الباغي بالانتقام العظيم و العذاب الأليم، و على الناس كذلك أن يقفوا له ويأخذوا عليه الطريق . " ولمن انتصر بعد ظلمه , فأولئك ما عليهم من سبيل . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس , ويبغون في الأرض بغير الحق . أولئك لهم عذاب أليم " الشوري
فالذي ينتصر مِمَّن ظَلَمه ما عليه من مُساءلة، وما عليه من مؤاخذة وما عليه من ملامة ، وما عليه من سبيل، قال تعالى:
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " [سورة الشورى] والله تعالي يقول " فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم " وهذا اذن سماوي بمعاونة المظلوم ومساندته في البحث عن حقه المسلوب واسترداد ماله المنهوب بل وعودة كرامته وحريته " اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله علي نصرهم لقدير .. " وقع عليهم الظلم ومن ثم انتدبهم الله لاسترداد حقهم وهو معهم ينصرهم ويسددهم، وما عليهم بعد ذلك من سبيل ...!!
والخنوع والهروب والذلّ ليس من صفات المؤمنين، أحد الصحابة الكرام كان يمشي مُتبخْتِرًا أمام جيْش العدوّ، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله يكره هذه المِشْيَة إلا في هذا الموطن..." والتكبّر على المتكبِّر صدَقة، ويقول الإمام الشافعي: لا أسْمحُ لأحدٍ أن يتكبَّر عليَّ مرَّتَين، قال تعالى:
﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا(148)﴾
[سورة النساء]
فالمظلوم له أن يتكلَّم وهناك حديث في العلاقات العامة، يقول عليه الصلاة والسلام: إنَّ الله يلوم على العجز..." فحينما تغلب قل: حسبي الله ونعم الوكيل، أما قبل أن تُغلب يجب أن تأخذ بالأسباب، وتطرق الابواب ثم تتعلق بمسبب الاسباب العلي الوهاب، وقبل أن تُغلَب يجب أن تسْع، وتُغطِّي كلّ ثغرة وأن تأخذ الأمور بِجِدِيَّة، فإذا غُلبْت لا سمَح الله فقل: حسبي الله ونعم الوكيل،وهذا هو حال المسلم، فالمُسلم يُمثِّل دين الله تعالى، ودين الله عظيم، والمؤمن عزيز، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ(8)﴾
(سورة المنافقون )
ابتغوا الحوائِجَ بِعِزَّة الأنفس فإنّ الأمور تجري بمقادير، فلا ينبغي للمؤمن أن يُذِلّ نفسَه، فالمؤمن عزيز لأنّه سفير هذا الدِّين.
﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)﴾ [سورة الشورى]
هل يصلح لمن ضربك في خدِّك الأيْمن ان تدر له الأيْسَر !! هذه في الاسلام غير مقبولة، أو أن تكيل له الصاع صاعين وتتجاوز كذلك غير مقبولة، هذا هو الدِّين، وهذا هو المنطق، وهذا هو الكمال، أما حينما يغلبُ على ظنِّك أن عَفْوَك على أخيك يُصْلِحُهُ ينبغي أن تعْفُوَ عنه،
ولا ننسي ان لصاحب الحق ولولي الدم اجر عظيم وفوز كبير علي صبره وعفوه وهو وحده من يملك العفو لا احد غيره كيف " ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم الامور " الشوري
المؤمن لا يبغي، وإذا بغى فليس مؤمنًا، كما قال عليه الصلاة والسلام: يطبع المؤمن على الخلال كلها...." فإذا خان وكذب فليس مؤمنًا قال تعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)﴾
ذكر ان أحد الموظَّفين طردَه صاحب المعمل، فاراد هذا الموظَّف ان ينتقم منه، وأخبر الجهات الجمركيَّة عن مستودع فيه بضاعة غير نظاميَّة فجاءوا وكشفوا المخالفة، وغرَّموه بِمَبلغ كبير جدًّا تقريبًا ستُّ مائة ألف ، صاحب المعمل حقدَ على هذا الموظَّف، وما كان منه إلا أن أطلقَ عليه النار فأرداه قتيلاً، فَحكموا عليه ثلاثين سنة سِجن !! الامر هنا مختلف، فالاول اهتم باﻻمر لطرده، والثاني ردعليه وانهي حيىته من منطلق حقده، فلو أنّ هذا الإنسان رأى أنّ الذي حدث له من الله تعالى لما فعل هذا، فهو من أجل أنّ ايمانه ضعيفًا ويقينه هينا فعل الذي فعل ... لهو الذي تبين ولا هو الذي صبر ولا هو الذي عفي ..!! فكانت النتيجة سوداوية .. الحقد ليس حلا ولا يجلب حقوق منهوبة ولا ضيعات مسلوبة ، انما القصاص بالحق فهو حياة وليس لمن وقع عليه الظلم من سبيل في ان يرفع الظلم عن نفسه بالطريق السليم والهدي المستقيم ، بالحكمة الربانية والموعظة الايمانية والايات القرانية " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون " سورةالبقرة .. ... والله وراء القصد وهو يهدي السبيل .. اللهم ارفع الظلم عن المظلومين واحقن دماء المسلمين وعليك بالظالمين المفترين يا رب العالمين.
[email protected]