وحدة العمل الإسلامي فريضة شرعية

ومما لا شك فيه أن الأصل في الشريعة هو وحدة العمل الإسلامي وليس تعدده .. وأن هذه الوحدة تعتبر فريضة شرعية من عدة وجوه :

ـ الأصل وحدة المسلمين ووحدة الأمة لقوله ـ تعالى ـ : { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } ( الأنبياء : 92 ) .

وقوله : { وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } ( المؤمنون : 52 ) .

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ( لأحمد في مسنده ولمسلم ) .

ـ الأصل الحض على الوحدة والنهي عن الاختلاف لقوله ـ تعالى ـ : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ( آل عمران ).

{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } ( الأنعام : 159 ) .

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من فرق فليس منا ) رواه الطبري .

ـ الأصل التزام جماعة لا جماعات ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع ، فاضربوه بالسيف كائنًا ما كان ) رواه مسلم ، وقوله : ( دعانا النبي فبايعناه ، فقال : فيما أخذ علينا ، أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان ) رواه البخاري .

وقوله : ( الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ) زوائد المسند ( ض ) .

وقوله : ( يد الله على الجماعة ) رواه الترمذي .

جاء في هامش ( الجامع الصغير للإمام السيوطي ) تعليقًا على هذا الحديث : ( يد الله على الجماعة : أي حفظه ووقايته وكلاءته ، أي هم في كنفه ، ويد الله قوته ، وأوصى حكيم أولاده : ائتوني بعصي ، فجمعها وقال : اكسروها مجموعة ، فلم يقدروا ، ففرقها وقال : اكسروها ، ففعلوا ، فقال : لن تغلبوا ما اجتمعتم ، فإذا تفرقتم تمكن منكم العدو ) الجامع الصغير ( 2/ 370 ) .

وحدة العمل الإسلامي ضرورة حركية

وفضلاً عن كون وحدة العمل الإسلامي فريضة شرعية ، فإنها ـ كذلك ـ ضرورة حركية وبشرية لأسباب كثيرة ، منها :

( 1 ) إن التغيير الإسلامي المنشود يستلزم تضافر القوى الإسلامية جمعاء في مسيرة واحدة ، وضمن خطة واحدة ، وتشرذم هذه القوى وعدم توحدها من شأنه تعطيل هذه العملية وتأخير الانقلاب الإسلامي ، وبالتالي تمكين القوى الجاهلية من الاستمرار والاسترسال في قيادة المسلمين بشرًا وأقطارًا .

فالتغيير الإسلامي عملية شاقة ، ودحر القوى الجاهلية عن مواقعها ليس بالأمر السهل ، وتحقيق قوامة الإسلام على المجتمع ـ فكرًا وسلوكًا ونظامًا ـ يفرض تلاحم القوى ضمن إطار وحدة ( اندماجية ) لا تنسيقية .

( 2 ) والتواطؤ الدولي على الإسلام وعلى الحركة الإسلامية يفرض بالتالي وحدة المواجهة والتصدي .. فالدول الغربية يجمعها ( حلف شمال الأطلسي ) ، وأوروبا تتعاون فيما بينها ضمن إطار ( السوق الأوروبية المشتركة ) ، ودول المنظومة الاشتراكية يجمعها ( حلف فرصوفيا ) ، واليهود يلتقون ضمن ( المنظمة الصهيونية العالمية ) .

فإذا كانت القوى العالمية المعادية للإسلام المتآمرة على العالم الإسلامي تتعاون فيما بينها وتوحد جبهاتها ، أفلا يحسن بالقوى الإسلامية في العالم الإسلامي أن تتداعى إلى وحدة فيما بينها ، كي لا تكون لقمة سائغة ، وكي لا تسهل تصفيتها وسحقها ؟! .

فلو لم تكن وحدة العمل الإسلامي فريضة شرعية من حيث المبدأ ، لأصبحت كذلك حفاظًا على المصير الإسلامي ، وصونًا للمسيرة الإسلامية من التعطل والتنكيل والإبادة .

( 3 ) ثم إن القوى والأحزاب المحلية المعادية للإسلام باتت تجمعها اليوم جبهات على امتداد العالم الإسلامي ، هذه الجبهات لا تفتأ تدرس وترصد وتخطط وتستعد على كل صعيد ، أفيحسن بالقوى الإسلامية ـ حيال هذا الواقع ـ أن تبقى مشرذمة مفككة ؟ أم يجدر بها أن تتعالى فوق كل الاعتبارات والأسباب التي تحول دون وحدتها وتلاحمها ؟ .

إن مصيرًا مشتركًا رهيبًا ينتظر كل القوى الإسلامية ما لم تبادر إلى نسيان النفس والذات ، وتخرج من دوامة النفس والذات ، لتلتقي جميعًا على الله ، وعلى مصلحة الإسلام العليا .

والمطلوب من الجميع وقفة جريئة من النفس ، صادقة مع الله ، مجردة من الأنانية والعصبية والحزبية وحب الذات ..

وساعتئذ .. يفرح المؤمنون بنصر الله ، قل عسى أن يكون قريبًا .