يحيى العقيلي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ،، الحمد لله حمدا كثيرٌا مباركا فيه ...نصر عبده وأعزّ جنده ... ومكّن لدينٌه ووفق دعاته ؛ سبحانه يؤتي ملكه من يشٌاء و يعٌزّ من شٌاء ، وصدق الله وعده : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )القصص 5
لقد كان مساء اليوٌم الأحد 24ـ6ـ2012م يوما من أيٌام الله تعالى ، تجّلت فيه نعمة الله وفضله ونصره وعدله " و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم"الروم (4ـ5)
مئات الألوف يخٌرون سجودا لله تعالى شكرا على فوز د.محمد مرسي
بشائر التمكين :
كم كانت مشاهد الربيع العربي مؤثرة وعميقة في دلالاتها وآثارها النفسيةٌ والإيمانية والفكريةٌ،أسابيعٌ معدودة وتصدر الإسلاميون المشهد السياٌسي ،ً بل وتبوءوا مواقع القياٌدة السياٌسيةٌ في بلدان عربيةٌ، وآخرون في طريقٌهم لذلك ، ولعل أكثر المشاهد إثارة للمشاعر والأذهان والقلوب .
هو المشهد الأخير الذي فاز فيه مرشح الإخوان المسلمين د. محمد مرسي بمنصب الرئاسة المصريةٌ فيما يشبه الرؤياٌ الصالحة التي تحققت في الواقع ، بعد معركة ـ بل معارك خاضتها - الجماعة على جبهات عدة : إعلامية وسياسية وتآمرية ، وجهاد انتخاب مشهود، على الرغم من التخذيل والتشكيك والاتهامات الباطلة، ولكن الله تعالى أعزّ جنده ونصر عبده ومكّن لدعوته، ويحقّق أحلام المؤسس الإمام حسن البنا رٌحمه الله لتصبح حقائق اليوم ، و يصبح د.محمد مرسي ممثل الإخوان المسلمين رئيسٌا لمصر التي كانت أنظمتها المتعاقبة حربا على الإسلام ودعاته، وهكذا تتقل المسجون ليتٌبوأ عرش مصر، وتتقل الرئيس الظالم ليكٌون حبيس السجن ، فسبحان المعّز المذل، سبحان من بيدٌه ملكوت السموات والأرض ، يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء .
وقفات مع فقه التمكين :
ملحظ عميقٌ في دلالته ، ونحن نتدارس فقه التمكين في القرآن الكريم ، ونتأمل اللفظ القرآني "مكّنا" في قوله تعالى :" إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا " (الكهف) وقد أشار لذلك د.راغب السرجاني في موقعه "قصة الإسلام" حيث أشار إلى أن التمكين في القرآن الكريم ارتبط بالله تعالى في جميع الصيغ القرآنية ، وكان الضمير دائما يعود لله تعالى ، تأمل قوله تعالى : " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" (الحج 20 ) وتأمل قوله تعالى :" ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " (القصص 6) ، وقوله تعالى : " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشٌركون بي شيئٌا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " (النور 55) ، وفي هذا دلالة إيمانية واضحة وصريحة في أن التمكين هو منحة ربانية ونصر رباني وفتح رباني ومنة ربانيةٌ ، وقد اختص لفظ "التمكين " بهذه الخصوصية من بين الألفاظ الأخرى ذات المعان المتقاربة لمعنى التمكين ،مثلا قوله تعالى : "وجاسوا خلال الديار" وقوله : "وهم من بعد غلبهم سيغلبون ". والملحظ الأخير أنّ "التمكين" ارتبط بأهل الإيمان ،فهم من استجمع أسبابه وتأهل لمسئولياته
"الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" (الحج 44 ) ، وباستعراض الآيات القرآنية التي ذكرت التمكين قاطبة يلحظ المتأمل ذلك التلازم بين الإيمان والتمكين ،وهذا جدير بأن يأخذ حقه في المنهج التربوي والمنهج التخطيطي والتعاطي السياسي للحركة الإسلامية ، فإن من شروط التمكين تحقيق الإيمان بكل معانيه وجميع أركانه، وممارسة العمل الصالح بكل أنواعه، والحرص على كل أنواع الخير وصنوف البر.
الدرس الأول: العمل الإسلامي المنظم من أسباب التمكين :
ثبت بكل جلاء أثر التنظيم في قوة الحركة الإسلامية وثباتها ، وقدرتها على تبوء مركز الصدارة والتأثير في أحداث الربيع العربي ، وما أعقبه من جولات انتخابية ومعارك سياسية ، فحركة النهضة في تونس ، وحزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوي والاجتماع حركة التوحيد والإصلاح في المغرب،والحركة الإسلامية في ليبيا، والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن ، وأخيرا جماعة الإخوان المسلمون في مصر تشير إلى حكمة وصواب المنهج الحركي المتمثل في العمل الجماعي المنظم الذي يلتقي على فكر موحد ومنهج أصيل ورسالة واضحة وقيادة واعية والتزام عميق وارتباط بين الأعضاء وثيق ، و يدحض بقوة الدعوى القائلة باستبدال "التيار" بدلٌا عن "التنظيم " والتغيير في المفاهيم التنظيمية للتخفف من الالتزام والطاعة والاستئذان ، والتحلل من ذلك كله تحت دعاوى استقلالية الذات وحرية التفكير وإبداعية العمل والتنمية القيادية.
فالأحداث والنتائج عززت الثقة بهذا النهج الجماعي والقناعة بالعمل المنظم والانتماء له.
ينابيع تربوية
