تعيش مهنة طب الأسنان واحدة من أخطر أزماتها خلال السنوات الأخيرة، بعدما وجد آلاف الخريجين الجدد أنفسهم في حالة ترقب وقلق متصاعد، في ظل تأخر إعلان نتائج التكليف، وتطبيق نظام «التكليف حسب الاحتياج»، وهو ما تنذر النقابة العامة لأطباء الأسنان بعواقبه الاجتماعية والمهنية، محذرة من موجة بطالة واسعة قد تضرب القطاع في حال استمرار الوضع الراهن دون حلول جذرية.

 

الدكتور حسين عبد الهادي، الأمين العام للنقابة العامة لأطباء الأسنان، دق ناقوس الخطر، مؤكدًا أن أطباء الأسنان حديثي التخرج يواجهون ما وصفه بـ«أزمة كبرى غير مسبوقة»، نتيجة قرار التكليف وفق الاحتياج، إلى جانب التأخير الملحوظ من وزارة الصحة في إعلان موقف التكليف، رغم انتهاء سنة الامتياز رسميًا في الأول من نوفمبر 2024.

 

ترقب وقلق بين الخريجين

 

وأوضح عبد الهادي، خلال تصريحات تلفزيونية ومداخلات إعلامية، أن القرار أثر بشكل مباشر على ما لا يقل عن 3 إلى 4 دفعات من الطلاب الذين كانوا في سنواتهم النهائية عند صدوره، ما جعل مستقبلهم المهني معلقًا، وأدخلهم في دائرة من القلق وعدم الاستقرار، سواء على المستوى الوظيفي أو الأسري.

 

وأشار إلى أن الإعلان عن التكليف كان من المفترض أن يصدر خلال عام واحد من انتهاء سنة الامتياز، وفق الإطار الزمني القانوني، إلا أن تجاوز هذه المدة دون توضيحات رسمية خلق حالة من الغموض، وأثار مخاوف حقيقية من اتجاه أعداد كبيرة من الخريجين إلى البطالة.

 

12 ألف أسرة في انتظار المصير

 

وأكد الأمين العام للنقابة أن الأزمة لا تمس الخريجين وحدهم، بل تمتد آثارها إلى آلاف الأسر، موضحًا أن نحو 12 ألف أسرة تنتظر قرار التكليف لتتمكن من رسم ملامح مستقبل أبنائها، سواء بالعمل داخل المنظومة الصحية الحكومية، أو البحث عن فرص بديلة في القطاع الخاص أو خارج البلاد.

 

وحذر عبد الهادي من أن استمرار هذا التأخير قد يصنع «أزمة اجتماعية ومهنية كبيرة جدًا»، مشددًا على أن غياب القرار الحاسم يدفع الخريجين إلى حالة من التيه، ويقوض الثقة في منظومة التعليم الطبي والتخطيط لسوق العمل.

 

جذور الأزمة و«نظام الصدمة»

 

وأرجع الأمين العام للنقابة جذور الأزمة الحالية إلى قرار صدر عام 2022، يقضي بتطبيق نظام التكليف حسب الاحتياج بداية من عام 2025، معتبرًا أن تطبيقه المفاجئ على طلاب أوشكوا على التخرج يمثل ما وصفه بـ«نظام الصدمة»، لعدم منحهم الوقت الكافي للتكيف مع المعايير الجديدة أو البحث عن بدائل مهنية.

 

وأكد أن النقابة العامة لأطباء الأسنان اعترضت منذ البداية على هذا الأسلوب في التطبيق، مطالبة بتدرج واضح وخطة زمنية عادلة تراعي أوضاع الطلاب والخريجين، إلا أن هذه التحذيرات لم تلقَ الاستجابة المطلوبة.

 

أرقام تكشف حجم الكارثة

 

وكشف عبد الهادي بالأرقام عن تفاقم الأزمة، موضحًا أن سياسة التوسع العشوائي في إنشاء كليات طب الأسنان لعبت دورًا رئيسيًا في تضخم أعداد الخريجين، دون دراسة حقيقية لاحتياجات سوق العمل.

 

وأشار إلى أن عدد كليات طب الأسنان ارتفع من نحو 42 كلية عام 2015 إلى 88 كلية في الوقت الحالي، بينما قفز عدد الخريجين من 2 إلى 3 آلاف طبيب سنويًا قبل نحو عقد من الزمن، إلى ما يقرب من 12 ألف طبيب سنويًا الآن، مع وجود حوالي 75 ألف طالب يدرسون حاليًا في كليات طب الأسنان على مستوى الجمهورية.

 

وأوضح أن هذا التضخم العددي جاء في وقت يعاني فيه سوق العمل المحلي، وكذلك الأسواق الإقليمية والخليجية، من حالة تشبع واضحة، ما يقلص فرص التشغيل أمام الخريجين الجدد.

 

مطالب بإعادة ضبط المنظومة

 

وفي إطار البحث عن حلول، طالب الأمين العام للنقابة وزارة الصحة بإعادة ضبط منظومة التكليف والعمل، من خلال فصل الأطباء المنقطعين عن العمل، سواء من لم يستلموا التكليف من الأساس أو من تركوه بعد استلامه.

 

وأكد أن هذه الخطوة ستسهم في كشف العدد الحقيقي للقوى العاملة الفعلية داخل وزارة الصحة، مشيرًا إلى أن الأرقام الواقعية قد لا تتجاوز 20 إلى 25 ألف طبيب أسنان يعملون فعليًا، مقارنة بالأرقام المعلنة التي تعطي انطباعًا غير دقيق عن حجم القوى البشرية المتاحة.

 

واختتم عبد الهادي تصريحاته بالتأكيد على أن الأزمة الحالية تتطلب تدخلًا عاجلًا وحاسمًا من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الصحة والتعليم العالي، لوضع رؤية واضحة لإدارة ملف التكليف، وربط أعداد القبول بالكليات باحتياجات السوق الفعلية، حفاظًا على مستقبل المهنة، ومنع انزلاق آلاف الخريجين إلى شبح البطالة.