توشحت مدينة آسفي المغربية، الملقبة تاريخياً بـ"حاضرة المحيط"، بالسواد والحزن العميق، مستفيقةً صباح الإثنين على وقع كارثة طبيعية وإنسانية غير مسبوقة في تاريخها الحديث. ففي غضون ساعة زمنية واحدة فقط، تحولت أمطار الخير إلى "طوفان" هادر، أجبر السكان على مواجهة الموت وجهاً لوجه، مخلفاً وراءه حصيلة ثقيلة ومفجعة بلغت 37 قتيلاً –وفق آخر التحديثات– إلى جانب خسائر مادية جسيمة حولت أحياءً كاملة إلى مناطق منكوبة.

 

لم تكن الليلة الفاصلة بين الأحد والاثنين عادية؛ فقد عاشت المدينة ساعات من الرعب والذهول، حيث باغتتها سيول جارفة لم تمهل السكان وقتاً للفرار أو إنقاذ ممتلكاتهم. وبينما تلملم المدينة جراحها، تتجه الأنظار بغضب وحسرة نحو البنية التحتية المتهالكة التي عجزت عن الصمود أمام "غضب السماء"، في مشهد أعاد للأذهان كوابيس الكوارث الطبيعية التي ضربت مدناً مغربية أخرى في السنوات الأخيرة.
ساعة من الرعب.. الشوارع تتحول إلى أنهار هادرة

 

بدأت المأساة بتساقطات مطرية رعدية قوية، وصفت بأنها "استثنائية وغير معتادة"، هطلت بغزارة شديدة في حيز زمني ضيق جداً لم يتجاوز الستين دقيقة مساء الأحد. هذه الكميات الهائلة من المياه، التي تزامنت مع ظواهر مناخية متقلبة، حولت الشوارع الرئيسية والأزقة الضيقة إلى مجارٍ مائية عنيفة.

 

المياه التي اندفعت بقوة من المرتفعات المحيطة بالمدينة حملت معها الأتربة والحجارة، لتكتسب قوة تدميرية مضاعفة، جرفت في طريقها كل ما وجدته، من بشر وسيارات وبضائع. وقد وثقت عدسات المواطنين لحظات الرعب الأولى، حيث ظهرت السيول وهي تبتلع الشوارع وتحاصر المارة.

 

 

حصيلة مفجعة.. الموت يحاصر الضحايا في السيارات والمنازل

 

مع مرور الدقائق، بدأت الأرقام الصادمة تتوالى. فبعد أن كانت الحصيلة الأولية تشير إلى 7 قتلى، ارتفع الرقم بسرعة مخيفة قبل منتصف الليل ليصل إلى 21، قبل أن يستقر صباحاً عند 37 ضحية. معظم الضحايا قضوا نحبهم غرقاً بعد أن باغتتهم السيول وهم داخل سياراتهم التي تحولت إلى مصائد حديدية، أو حاصرتهم المياه داخل منازلهم في الطوابق الأرضية والمناطق المنخفضة.

 

فرق الدفاع المدني والوقاية المدنية، مدعومة بالسلطات المحلية، واصلت الليل بالنهار في عمليات بحث وتمشيط مضنية لانتشال الجثث وإنقاذ العالقين، في ظروف جوية ولوجستية بالغة الصعوبة، بينما نُقل عشرات المصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاجات الضرورية.

 

 

دمار شامل.. المدينة العتيقة تغرق والسيارات أكوام خردة

 

الصباح كشف عن حجم الكارثة المادية؛ فالمدينة العتيقة (المدينة القديمة) بدت وكأنها مدينة غارقة، حيث غمرت المياه المحلات التجارية وأتلفت البضائع والمحتويات. الأبواب بدت مشرعة على مصراعيها بعد أن حطمتها قوة الدفع المائي، والسيارات تكدست فوق بعضها البعض في مشاهد سريالية، وكأن إعصاراً قد ضرب المكان.

 

شبكات البنية التحتية تعرضت لضرر بالغ، حيث انهارت بعض الطرق وتعطلت حركة السير في المحاور الحيوية. وتظهر المشاهد القادمة من قلب آسفي حجم الخراب الذي حل بالممتلكات الخاصة والعامة، حيث وقف السكان مذهولين أمام بيوتهم المدمرة.
 

 

بنية تحتية هشة وتساؤلات عن "المسؤولية"

 

أعادت كارثة آسفي النقاش حول جاهزية المدن المغربية للتغيرات المناخية. وبحسب رواية السلطات، فإن الأمطار فاقت القدرة الاستيعابية لشبكات تصريف المياه (الواد الحار)، لكن السكان والنشطاء يرون أن ما حدث يكشف هشاشة البنية التحتية وضعف الصيانة، خاصة في النقاط السوداء المعروفة بخطر الفيضان.

 

الظاهرة التي وصفها المختصون بـ"الفيضانات الفجائية"، والتي تكررت سابقاً في الدار البيضاء عام 2021، أصبحت نمطاً متكرراً يتطلب حلولاً جذرية وليس ترقيعية. وقد أشار مدونون ونشطاء إلى أن التوسع العمراني غير المدروس، وطبيعة جغرافية بعض الأحياء المنخفضة، فاقما من حدة الكارثة.

 

 

صدمة وحزن.. "هل كان قضاءً وقدراً أم إهمالاً؟"

 

تعيش "حاضرة المحيط" اليوم حالة من الصدمة الجماعية. عبارات مثل "وآسفاه على آسفي" و"مدينة منكوبة" تصدرت منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر المغاربة عن تضامنهم الواسع مع الضحايا. وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض الكارثة قضاءً وقدراً لا مفر منه أمام قوة الطبيعة، وجه آخرون انتقادات لاذعة للحكومة والمجالس المنتخبة، معتبرين أن الخسائر البشرية الفادحة هي نتيجة تراكمات من الإهمال وسوء التخطيط.

 

السكان الذين فقدوا أحباءهم وممتلكاتهم يقفون اليوم أمام ركام منازلهم، يحدقون في آثار الماء المرسومة على الجدران، في انتظار تحقيقات جدية وإجراءات وقائية تمنع تكرار هذا السيناريو المرعب مستقبلاً.
شاهد ردود أفعال المواطنين وحالة الذهول في الشوارع عقب انحسار المياه: