أعلنت حكومة الانقلاب، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، عن تحقيق أعلى صادرات غير بترولية في تاريخ البلاد بقيمة 40.7 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2025. ورُفعت سقف التوقعات لنمو قطاعات التصدير الرئيسية بنسبة تصل إلى 30% في العام المقبل، مع تأكيدات بأن هذا النمو ناتج عن زيادة الاستثمارات وتحسين الكفاءة، وليس عن خفض الواردات. لكن وراء هذه الأرقام المبهرة، يكمن واقع اقتصادي قاتل: تضخم جامح، عجز مزمن في الميزان التجاري، وبيئة استثمارية متعثرة، تُشكك في استدامة هذا “الإنجاز” وتحوّله إلى رقم دعائي أكثر منه قفزة تنموية حقيقية.
هل الصادرات نمت حقًا أم أن الواردات تراجعت فقط؟
البيانات الرسمية تُصر على أن الزيادة في الصادرات (6.5 مليار دولار) جاءت من نمو حقيقي في التصدير، وليس من تراجع الواردات. لكن على أرض الواقع، يُلاحظ أن الواردات انخفضت بشكل حاد بسبب أزمة نقص الدولار وتشديد البنك المركزي على الاستيراد، ما يعني أن تحسن الميزان التجاري جزئيًا ناتج عن تراجع الطلب على الواردات، وليس فقط عن قوة الصادرات.
من جهته، يرى الدكتور أحمد سمير، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن "القفزة في الصادرات تأتي في ظل انخفاض حاد في الواردات بسبب أزمة نقص الدولار، وليس نتيجة نجاحات هيكلية في الصناعة أو الزراعة. هذه الزيادة لا تعني أن الاقتصاد المصري أصبح أكثر تنافسية، بل تعكس فقط تغيرات في تدفقات التجارة الخارجية، وليست إنجازًا اقتصاديًا حقيقيًا. الحديث عن ‘أعلى صادرات في التاريخ’ هو رقم دعائي يُستخدم لتلميع صورة الحكومة، بينما الواقع يُظهر أن الاقتصاد لا يزال يعاني من تضخم جامح وعجز في الميزان التجاري."
توزيع غير متوازن للنمو التصديري
القطاعات التي سجلت نموًا ملحوظًا في الصادرات، مثل مواد البناء والصناعات الغذائية والملابس الجاهزة والكيماويات، هي في الأصل قطاعات كانت تستفيد من انخفاض تكلفة العمالة والموارد المحلية، لكنها لا تمتلك بعد القدرة التنافسية الحقيقية في الأسواق العالمية. فعلى سبيل المثال، نمو قطاع الملابس الجاهزة بنسبة 28–30% في العام المقبل، وقطاع الكيماويات بنسبة 9.5%، يعكسان اعتمادًا على السوق الإقليمية والدولية ذات الطلب المرتفع، لكنه لا يضمن استدامة هذا النمو في ظل تقلبات السوق العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
ويُشير الدكتور محمد عبد الله، الخبير الاقتصادي وعضو اتحاد الغرف التجارية، إلى أن "التفاؤل الحكومي بالنمو التصديري لا يُقابله تحسن حقيقي في البيئة الاستثمارية. البيروقراطية والإجراءات التعجيزية لا تزال عقبة أمام المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب. علاوة على ذلك، فإن تعميق الصناعة الوطنية لا يزال مرهونًا بتوطين التكنولوجيا وتحسين البنية التحتية، وهو ما لم يحدث بشكل ملموس حتى الآن. الحديث عن ‘مناخ استثماري جاذب’ هو تضليل، فالواقع يُظهر أن المستثمر يُعاني من تعقيدات إدارية ومالية."
تفاؤل حكومي لا يوازيه تحسن في المناخ الاستثماري
رغم تأكيدات مدبولي على تهيئة مناخ استثماري جاذب، إلا أن الواقع يُظهر أن البيروقراطية والإجراءات التعجيزية لا تزال عقبة أمام المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب. كما أن تعزيز الصناعة الوطنية لا يزال مرهونًا بتوطين التكنولوجيا وتحسين البنية التحتية، وهو ما لم يحدث بشكل ملموس حتى الآن. فالتفاؤل الحكومي بالنمو التصديري لا يُقابله تحسن حقيقي في البيئة التشريعية أو في قدرة الشركات على التوسع والابتكار.
وتُضيف الدكتورة نهى مصطفى، خبيرة الاقتصاد الدولي، أن "القطاعات التي تُعلن عن نموها التصديري تعتمد على انخفاض تكلفة العمالة والموارد، وليس على جودة أو ابتكار. هذا النوع من النمو هش، وعرضة للانهيار فور تغير ظروف السوق أو ارتفاع تكاليف الإنتاج. الحديث عن ‘جودة عالية’ للمنتج المصري هو تضليل، فالكثير من الصادرات تُباع في الأسواق الإقليمية بأسعار منخفضة، وليست منافسة في الأسواق المتقدمة."
توقعات غير واقعية وغياب خطط داعمة
رؤساء المجالس التصديرية تحدثوا عن توقعات نمو قوية في قطاعات مثل الأثاث والحاصلات الزراعية بنسبة لا تقل عن 10%، والصناعات الغذائية بنسبة 15–18%، والقطاع العقاري بنسبة 30%. لكن هذه التوقعات تبدو طموحة جدًا في ظل غياب خطط واضحة لدعم هذه القطاعات، سواء عبر التمويل أو تطوير البنية التحتية أو تسهيل التصدير. كما أن الحديث عن تعميق الصناعة الوطنية وخفض فاتورة الاستيراد لا يزال مجرد شعارات، بينما الواقع يُظهر أن كثيرًا من الصناعات ما زالت تعتمد على استيراد المكونات الأساسية.
وأضافت الدكتورة سارة كمال، أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن "هذه التوقعات تبدو طموحة جدًا في ظل غياب خطط واضحة لدعم هذه القطاعات، سواء عبر التمويل أو تطوير البنية التحتية أو تسهيل التصدير. الحديث عن تعميق الصناعة الوطنية وخفض فاتورة الاستيراد لا يزال مجرد شعارات، بينما الواقع يُظهر أن كثيرًا من الصناعات ما زالت تعتمد على استيراد المكونات الأساسية. الحكومة تُعلن عن أرقام مبهرة، لكنها لا تُقدم خطة واضحة لكيفية تحويل هذه القفزة التصديرية إلى نقلة حقيقية في الاقتصاد."
وأخيرا فإنه رغم الأرقام المبهرة التي تُعلنها الحكومة، فإن خبراء الاقتصاد المعارضين يؤكدون أن النمو التصديري لا يعكس بالضرورة نقلة حقيقية في الاقتصاد المصري، بل قد يكون مجرد استغلال لفرص مؤقتة في الأسواق الخارجية. التحدي الحقيقي أمام الحكومة هو تحويل هذه القفزة التصديرية إلى نقلة حقيقية في الاقتصاد، وليس مجرد رقم يُضاف إلى السجلات السنوية.

