في حلقة جديدة من مسلسل تكميم الأفواه واغتيال الكلمة الحرة، أقدمت أجهزة أمن الانقلاب على خطوة تصعيدية خطيرة باستدعاء الكاتب والمفكر السياسي الدكتور عمار علي حسن للمثول أمام نيابة أمن الدولة العليا.
هذا الاستدعاء لا يُقرأ إلا في سياق ممنهج لإرهاب النخبة المثقفة، وتوجيه رسالة وعيد لكل من تسول له نفسه ممارسة حقه الدستوري في التفكير أو النقد. إن النظام الذي يدعي ليل نهار "انفتاحه" على المعارضة وقبوله للنقد، يسقط مجدداً في اختبار الحريات، مثبتاً أن "الحوار الوطني" المزعوم ليس سوى مسرحية هزلية لتجميل وجه نظام قبيح لا يطيق رأياً مخالفاً، حتى وإن كان من قامة فكرية وطنية مشهود لها بالرزانة والموضوعية.
ممدوح حمزة: النظام يمارس "البلطجة المقنعة" بالقانون
في رد فعل قوي يعكس حالة الاحتقان، خرج المهندس والناشط السياسي ممدوح حمزة عن صمته، معتبراً ما يحدث "عبثاً" يهدد السلم المجتمعي. حمزة، الذي ذاق مرارة هذه الكأس سابقاً، لم يوارِ غضبه، مؤكداً أن استدعاء شخصية بوزن عمار علي حسن هو دليل على "انعدام الأمان" في مصر. وأشار إلى التناقض الفج بين تصريحات رئيس حكومة الانقلاب المعسولة عن قبول النقد، وبين الواقع الأمني الأسود الذي يسوق المثقفين إلى "دوائر الإرهاب" في المحاكم.
حذر حمزة من سيناريو تحويل القضية إلى "جنايات أمن دولة"، وهي المصيدة التي ينصبها النظام للتنكيل بمعارضيه تحت غطاء قانوني زائف. فكيف لنظام يدعي الاستقرار أن يرتعد من قلم كاتب لم يحمل يوماً سلاحاً، ولم يحرض على عنف؟ إنها هشاشة الطغاة الذين يرون في الكلمة الصادقة خطراً أشد من الرصاص.
استدعاء "غامض" ورسائل ترهيب مبطنة
استيقظ الوسط الثقافي والسياسي على خبر استدعاء الدكتور عمار علي حسن للتحقيق في القضية رقم 10204 لسنة 2025، في إجراء يلفه الغموض والريبة.
لم توضح السلطات التهمة الموجهة إليه، في تكتيك أمني مكشوف يهدف لترك المثقف فريسة للهواجس والتكهنات. هذا الغموض هو سلاح السلطة المفضل لإبقاء الجميع تحت مقصلة التهديد، حيث لا قانون يحكم ولا معايير تضبط، بل هي "أهواء أمنية" تتحكم في مصائر العباد.
"القبض بالشادوف والإفراج بالقطارة"
لعل أبلغ وصف لهذه الحالة العبثية ما قاله الدكتور عمار علي حسن نفسه في وقت سابق، واصفاً سياسة النظام بأنها "قبض بالشادوف وإفراج بالقطارة". النظام يعتقل المئات دفعة واحدة، ثم يمنّ على الشعب بإخلاء سبيل آحاد منهم، ليخرج إعلامه المضلل ويحدثنا عن "مكارم" السلطة!
إن استهداف عمار علي حسن اليوم هو استهداف للعقل المصري، ومحاولة لتجريف ما تبقى من وعي. فالدكتور عمار ليس مجرد كاتب، بل هو باحث في علم الاجتماع السياسي، وكتاباته تشرح بنية الاستبداد وتكشف عوراته، ولعل هذا هو "الجرم" الحقيقي الذي لا يغتفره العسكر.
⛔️كل التضامن والدعم الكامل للأستاذ الدكتور عمار علي حسن ✊🏼 https://t.co/YhbJa9hxGF
— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) December 13, 2025
خاتمة: دولة الظلم ساعة
إن حكومة الانقلاب، بممارساتها القمعية، تؤكد يوماً بعد يوم أنها لا تملك مشروعاً سوى "البقاء بالقوة". لكن التاريخ يعلمنا أن القمع لا يبني دولاً، وأن السجون قد تحبس الأجساد لكنها لا تقتل الأفكار.
استدعاء عمار علي حسن ليس نهاية المطاف، بل هو وقود جديد يشعل غضب المكتوين بنار الاستبداد، ويفضح زيف الشعارات البراقة عن "الجمهورية الجديدة" التي تبدو في حقيقتها "جمهورية الخوف القديمة" ولكن بأسوار أعلى وسجانين أكثر قسوة.

