رغم أن انخفاض تكلفة العمالة يُعدّ اليوم أحد أبرز المزايا التنافسية للاقتصاد المصري، فإن هذه الميزة لا تزال غير مُستغلة بالكامل بسبب فشل حكومة الانقلاب في إصلاح منظومة التعليم والتدريب، ما أدى إلى نقص واضح في العمالة الفنية المدرَّبة التي تحتاجها المصانع الجديدة، في وقت تشهد فيه مصر إقبالًا كبيرًا من شركات عالمية—خاصة من الصين وتركيا—للاستثمار الصناعي، لكن فقط لاستغلال العمالة الرخيصة التي لا تتجاوز أجورها 150 دولارًا شهريًا، أي أقل من سُدس متوسط الأجور في تركيا، وأقل من عُشر الحد الأدنى في أوروبا.
العامل المصري بـ150 دولارًا.. سلعة رخيصة للمستثمرين الأجانب
تتصدر الشركات الصينية قائمة المستثمرين في مصر بـ532 شركة، تليها الشركات التركية بـ439 شركة، مستفيدة من انخفاض تكلفة العمالة التي لا تتجاوز 150 دولارًا شهريًا للعامل، مقارنة بمتوسط 900 دولار في تركيا وحد أدنى يبلغ 630 دولارًا، في حين يبدأ الحد الأدنى في الدول الأوروبية من 1000 إلى 1500 دولار.
هذه الأرقام تكشف أن حكومة الانقلاب تبيع العامل المصري بأرخص الأسعار العالمية، وتحول مصر إلى سوق عمالة رخيصة للشركات الأجنبية، التي تأتي للاستفادة من استغلال العمال وليس لنقل التكنولوجيا أو تطوير المهارات. العامل المصري الذي يحصل على 150 دولارًا شهريًا (حوالي 7500 جنيه) في ظل تضخم يتجاوز 100% سنوياً وأسعار سلع أساسية مرتفعة، لا يستطيع تأمين حياة كريمة لنفسه أو لأسرته.
معدل البطالة يرتفع إلى 6.4%.. لكن المشكلة أعمق
أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع معدل البطالة في الربع الثالث من 2025 إلى 6.4%، من 6.1% في الربع السابق، ليس بسبب نقص فرص العمل، بل نتيجة توسع قوة العمل بنسبة 3.3% لتصل إلى 34.7 مليون فرد.
لكن الأرقام الرسمية لا تعكس حقيقة الأزمة. فالبطالة بين الإناث بلغت 15%، مقارنة بـ4% بين الذكور، ما يكشف تمييزاً جندرياً واضحاً في سوق العمل. كما أن معدل البطالة في الحضر بلغ 10.1%، أي أكثر من ضعف المعدل في الريف البالغ 3.6%، ما يعكس أزمة توظيف حادة في المدن.
الأخطر من ذلك، أن 83% من المتعطلين يحملون مؤهلات متوسطة وجامعية وفوق جامعية، مقارنة بـ78% في الربع السابق. هذا يعني أن التعليم في مصر لم يعد يؤدي إلى فرص عمل، بل أصبح طريقاً مسدوداً ينتهي بالبطالة، بسبب فشل حكومة الانقلاب في مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل.
خريجون بلا عمل.. ومصانع بلا عمال فنيين
الأمر الأكثر لفتًا للانتباه أن الزيادة في البطالة جاءت من حملة المؤهلات المتوسطة والجامعية وما فوق الجامعية، حيث يشكلون اليوم 83% من المتعطلين. وهذا يعكس خللًا واضحًا بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، خاصة مع توجه الدولة إلى التوسع في القطاعين الصناعي والزراعي اللذين يحتاجان أساسًا عمالة فنية مدرّبة.
بحسب ما أعلنه وزير الصناعة والنقل كامل الوزير، تواجه المصانع الجديدة نقصًا واضحًا في العمالة الفنية المدرَّبة، في وقت يشهد إقبالاً كبيرًا من شركات عالمية للاستثمار الصناعي في مصر. هذا التناقض الصادم يكشف أن حكومة الانقلاب أنتجت ملايين الخريجين الجامعيين الذين لا يجدون عملاً، بينما المصانع تحتاج إلى فنيين مدربين غير متوفرين.
عمالة رخيصة.. وليست ميزة تنافسية
حكومة الانقلاب تتحدث عن "الميزة التنافسية" التي تمنحها العمالة الرخيصة للاقتصاد المصري، لكن الحقيقة أن هذه ليست ميزة تنافسية، بل استغلال صارخ للعمال وتحويل مصر إلى سوق عبيد للشركات الأجنبية.
الميزة التنافسية الحقيقية تأتي من العمالة الماهرة والمدربة والمنتجة، وليس من العمالة الرخيصة التي تُستغل وتُستنزف بأجور لا تكفي لتغطية احتياجات الحياة الأساسية. العامل الذي يحصل على 150 دولارًا شهريًا في ظل تضخم جامح وأسعار مرتفعة لا يستطيع العيش بكرامة، وبالتالي لا يستطيع الإنتاج بكفاءة.
الدول المتقدمة لا تتنافس بالأجور المنخفضة، بل بالكفاءة والإنتاجية والابتكار. لكن حكومة الانقلاب اختارت الطريق السهل: بيع العمال المصريين بأرخص الأسعار للشركات الأجنبية، دون الاستثمار في التعليم أو التدريب أو تطوير المهارات.
شعب يُستغل.. وحكومة تتاجر
حكومة الانقلاب حولت الشعب المصري إلى سلعة رخيصة للبيع في سوق العمالة العالمية، دون أي اعتبار لكرامة العامل أو حقوقه أو مستقبله. العامل الذي يحصل على 150 دولارًا شهريًا في بلد يعاني من تضخم جامح وأسعار خيالية لا يعيش، بل يموت ببطء.
الخريجون الجامعيون الذين يشكلون 83% من المتعطلين هم ضحايا منظومة تعليمية فاشلة أنتجتها حكومة الانقلاب، منظومة لا تعلّم ولا تدرّب ولا تؤهل، بل تنتج شهادات ورقية لا قيمة لها في سوق العمل.
المصانع التي تفتقر للفنيين المدربين هي نتيجة طبيعية لإهمال حكومة الانقلاب للتعليم الفني لعقود، وتركيزها فقط على جذب الاستثمارات الأجنبية دون أي شروط أو ضوابط تضمن حقوق العمال أو نقل التكنولوجيا.
النتيجة الحتمية: اقتصاد معتمد على الاستغلال، شعب يعاني من البطالة والفقر، عمال يُباعون بأرخص الأسعار، وحكومة تتاجر بمستقبل الأجيال من أجل دولارات قليلة تدخل خزينتها.

