في مشهد درامي متكرر من مسرحية السلطة العسكرية، يخرج الإعلامي إبراهيم عيسى بتصريحات ينتقد فيها بيان قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي للهيئة الوطنية للانتخابات، واصفًا إياه بأنه "أفقد الهيئة أي نوع من الاستقلالية، وأفقد العملية الانتخابية شرعيتها". لكن السؤال الجوهري الذي يتجاهله الجميع: هل إبراهيم عيسى معارض حقيقي أم مجرد جزء من لعبة النظام لإضفاء شرعية وهمية على مسرحية انتخابية فاشلة؟ بينما معارضون حقيقيون كأسامة جاويش ومحمد ناصر يكشفون زيف الانتخابات من المنفى، يلعب عيسى دور "المعارض المسموح" الذي ينتقد بحذر دون أن يمس جوهر النظام الفاسد.
 

 

عيسى: معارضة بالريموت كونترول

 

إبراهيم عيسى، الذي يقدم برنامجه على قناة محلية تحت سيطرة النظام، يمارس نوعًا من "المعارضة المحسوبة" التي تخدم مصالح السلطة أكثر مما تهددها. فبينما يهاجم "استقلالية الهيئة الوطنية للانتخابات"، يتجاهل تمامًا أن هذه الهيئة من الأساس معينة من النظام ولا تملك أي استقلالية حقيقية. وبينما يقول "لا يمكن أن نقول لمصر مبروك"، يستمر في تقديم برامجه على قنوات النظام دون أي محاسبة حقيقية.
 

 

المفارقة الصادمة أن نفس هذا الإعلامي الذي ينتقد "فقدان شرعية الانتخابات" اليوم، سبق له أن وصف المعارضة المصرية بأنها "وهمية واتخلقت علشان التجميل السياسي". فكيف يمكن لشخص يدرك أن المعارضة مصطنعة أن يتحدث عن "شرعية انتخابية" كأنها موجودة؟ هذا التناقض الفاضح يكشف أن عيسى يلعب دور "الناقد الآمن" الذي يُسمح له بالانتقاد ضمن حدود لا تهدد النظام.

 

أسامة جاويش: كشف المسرحية الهزلية

 

بينما يكتفي إبراهيم عيسى بانتقادات سطحية، يقدم الإعلامي المعارض أسامة جاويش من المنفى تحليلًا جذريًا لحقيقة الانتخابات المصرية. جاويش وصف انتخابات مجلس النواب بأنها "حشود مصطنعة ومسرحية هزلية.. انتخابات تبحث عن ناخبين بأي ثمن". ولم يكتف بالوصف العام، بل كشف تفاصيل "هندسة الانتخابات لصالح أحزاب الموالاة" وشراء الأصوات والخروقات المنظمة.

 

 

محمد ناصر: فضح "جمهورية الشو"

 

الإعلامي المعارض محمد ناصر ذهب أبعد من ذلك بوصفه النظام المصري بـ"جمهورية الشو"، مؤكدًا أن "السيسي عمل جمهورية جديدة كلها رقص وسرقة". ناصر كشف تفاصيل مروعة عن "الأصابع الخفية وراء مسرحية الانتخابات البرلمانية"، موثقًا كيف تم الفوز بالتزكية بنصف مقاعد المجلس (284 مقعدًا من أصل 568) دون أي منافسة أو اقتراع فعلي.

 

ناصر أيضًا كشف دور "الطفل المعجزة" أمين حزب مستقبل وطن أحمد عبد الجواد، الذي "تحول في وقت قليل جدا من ضابط صغير في الأمن الوطني لإمبراطور مالي". هذه الكشوفات الموثقة تفضح حجم الفساد المنظم والتزوير المؤسسي الذي يدير الانتخابات، وتكشف أن ما يحدث ليس مجرد "مخالفات" كما يصورها عيسى، بل هو تزوير ممنهج من أعلى مستويات السلطة.
 

 

عمار علي حسن: سخط شعبي

 

الكاتب والباحث عمار علي حسن تعليقا على بيان السيسي بشأن الانتخابات: الناس غير راضين عن تدابير اقتصادية زاد معها الفقر، وتصرفات سياسية خنقت المجال العام، وإعلام الصوت الواحد، والإفراط في النزعة الأمنية، ما ألقى بكثير من الأبرياء في السجون، وإهمال التعليم والصحة، وتسلل غير الأكفاء إلى الدولة، فهل يرى الشعب المصري، تدخلا لتصحيح كل هذا؟

 



المعارضة الحقيقية: مُقصية ومُلاحقة

 

بينما يُسمح لإبراهيم عيسى بالانتقاد "المحسوب"، تواجه المعارضة الحقيقية حملة استبعاد منظمة وقمع ممنهج. أحزاب المعارضة الحقيقية ندّدت باستبعاد هيئة الانتخابات لمرشحيها من السباق الانتخابي، محولة العملية إلى "إجراء شكلي فاقد للمصداقية". حزب التحالف الشعبي، على سبيل المثال، وصف استبعاد مرشحيه بأنه "مسار معادٍ للديمقراطية يهدد تماسك الدولة ذاتها".

 

الموقعون على بيان الأحزاب المعارضة شددوا على أن "إسكات الأصوات المستقلة، وتجريم الاختلاف، يخلق دولة هشة لا تملك آليات تصحيح أخطائها من الداخل، ويزيد من انعدام الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم". هذا هو الصوت الحقيقي للمعارضة الذي يُكمّم ويُستبعد، بينما يُفسح المجال لـ"معارضين مصطنعين" مثل عيسى للعب دورهم في المسرحية.

 

بيان السيسي: تدخل فاضح لا استقلالية

 

بيان السيسي الذي انتقده إبراهيم عيسى كان تدخلًا فاضحًا في استقلالية هيئة الانتخابات، حيث طالب الرئيس الهيئة بـ"التدقيق التام" وهدد بـ"إلغاء الانتخابات كاملة أو جزئيًا" في حال تعذر الوصول لـ"إرادة الناخبين الحقيقية". هذا البيان جاء بعد فضائح تزوير واسعة شملت طرد مندوبي المرشحين، ومنعهم من الحصول على نسخ من كشوف حصر الأصوات، وحشد مصطنع للناخبين، وشراء للأصوات بشكل علني.

 

لكن المفارقة أن نفس السيسي الذي يتحدث عن "إرادة الناخبين" هو من صمم النظام الانتخابي بحيث يضمن فوز أحزاب الموالاة، ومن عيّن رئيس وأعضاء الهيئة الوطنية للانتخابات، ومن منح نفسه حق تعيين 5% من أعضاء البرلمان (28 نائبًا). فكيف يمكن لشخص يسيطر على كل خيوط اللعبة أن يتحدث عن "استقلالية" و"نزاهة"؟

 

الحقيقة المرة: انتخابات بلا ناخبين

 

الحقيقة التي يعرفها كل مصري، كما أكد المحلل السياسي تامر هنداوي، أن "الخلافات بين مرشحي أحزاب الموالاة دفعت إلى مواجهات داخلية كبيرة". المشكلة ليست في "مخالفات انتخابية" بالمعنى التقليدي، بل في أن النظام نفسه صنع "انتخابات بلا ناخبين"، حيث غاب الشباب والمواطنون عن صناديق الاقتراع، وتحولت العملية إلى صراع بين فصائل الموالاة على المقاعد والامتيازات.

 

مسرحية متكررة بوجوه مختلفة

 

الحقيقة المرة أن ما يحدث في مصر ليس "انتخابات" بالمعنى الحقيقي، بل هو مسرحية هزلية يلعب فيها كل طرف دوره المرسوم سلفًا. السيسي يلعب دور "الرئيس الحريص على النزاهة"، والهيئة الوطنية تلعب دور "المؤسسة المستقلة"، وإبراهيم عيسى يلعب دور "المعارض الجريء"، والنتيجة النهائية معروفة سلفًا: برلمان مُزور يخدم مصالح النظام. وطالما استمر المصريون في تصديق هذه المسرحية والتفاعل معها كأنها حقيقية، سيستمر النظام في إعادة إنتاج نفس السيناريو بوجوه مختلفة.