يواصل الطالب محمد وليد محمد عبد المنعم، البالغ من العمر 19 عامًا، عامه الثاني داخل السجن، رغم حالته الصحية المتدهورة واعتماده الكامل على الآخرين في كل تفاصيل حياته اليومية.

محمد، الذي وُلد بإعاقات جسدية معقدة جعلت حياته سلسلة من المعاناة الطبية، يقضي أيامه اليوم خلف القضبان، في ظروف لا تليق بإنسان سليم، فضلًا عن شاب يعاني من تشوهات جسدية وضعف حاد في عضلة القلب والرئتين.
 

مأساة إنسانية داخل الزنزانة
محمد وليد، الطالب الذي كان يحلم بدراسة علوم الحاسبات في جامعة النيل الأهلية، وُلد بإعاقة مركبة تشمل قصرًا شديدًا في القامة لا يتجاوز المتر الواحد، واعوجاجًا في الفك والفم، وتشوهًا في العمود الفقري، وإعاقة في الذراع والقدم اليسرى، إضافة إلى ضمور عضلي وضعف في القلب والرئتين.

هذه الحالة الصحية تستوجب رعاية طبية دائمة ومتابعة مستمرة، غير أن بيئة السجن القاسية لا توفر أيًّا من ذلك، مما يجعل استمرار احتجازه بمثابة عقوبة مضاعفة تهدد حياته يومًا بعد يوم.

ورغم وضوح حالته للعين المجردة، فقد قررت غرفة المشورة بمحكمة جنايات القاهرة المنعقدة في مجمع محاكم بدر، يوم الأربعاء الخامس من نوفمبر الجاري، تجديد حبسه 45 يومًا إضافيًا، في تجاهل تام للتقارير الطبية والمناشدات الحقوقية التي تؤكد استحالة بقائه في بيئة الاحتجاز الحالية.
 

تفاصيل الاعتقال والإخفاء القسري
تعود وقائع احتجاز محمد إلى 24 أبريل 2024، حين تم اعتقاله أثناء وجوده مع شقيقته داخل حرم جامعة النيل الأهلية بالقاهرة، دون إذن قضائي، على خلفية منشورات عبّر فيها عن رفضه للمجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، وتضامنه مع الأطفال والضحايا هناك.

وعقب القبض عليه، تعرض محمد للاختفاء القسري لمدة شهرين كاملين داخل أحد مقار الأمن الوطني، حيث انقطعت أخباره تمامًا عن أسرته التي لجأت إلى المستشفيات وأقسام الشرطة وقدمت بلاغات متعددة للنائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان دون أي استجابة.

وفي 24 يونيو 2024، ظهر محمد لأول مرة أمام نيابة أمن الدولة العليا، بمحضر مؤرخ قبل يوم واحد من عرضه، في انتهاك للإجراءات القانونية.

ورغم حالته الصحية الواضحة، وارتباكه النفسي الشديد أثناء التحقيق، تجاهلت النيابة ذلك، ووجهت إليه اتهامات تقليدية من بينها “تولي قيادة جماعة أُسست على خلاف القانون” و”تمويل جماعة إرهابية”، ضمن القضية رقم 2806 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، دون تقديم أي دليل مادي يثبت تلك المزاعم.
 

إهمال طبي ممنهج
منذ نقله إلى سجن وادي النطرون – مركز تأهيل 10، يعاني محمد من ظروف احتجاز غير إنسانية تفتقر إلى أدنى مقومات الرعاية الصحية، حيث لا تتوفر له تجهيزات خاصة تساعده على الحركة أو التنفس أو النوم، ولا يحصل على العلاج المناسب لحالته المعقدة.

وبحسب ما وثقته الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، يعتمد محمد بشكل كامل على مساعدة زملائه في الزنزانة لتناول طعامه أو قضاء حاجاته اليومية، في مشهد لا يليق بكرامة الإنسان ولا يتفق مع أبسط المبادئ الإنسانية والدستورية.
 

مخالفة صارخة للدستور والقانون
ما يتعرض له الطالب محمد وليد يُعد انتهاكًا فاضحًا للدستور والقانون الوطني، فضلًا عن الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها الدولة، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD)، التي تُلزم الحكومات بحماية ذوي الإعاقة من الإهمال والعنف، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يحظر الاعتقال التعسفي والمعاملة القاسية.

كما أن استمرار حبسه دون محاكمة عادلة أو توفير علاج مناسب يخالف القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، المعروفة باسم قواعد نيلسون مانديلا، التي تنص على ضرورة توفير الرعاية الخاصة لذوي الإعاقة داخل أماكن الاحتجاز.
 

مطالب حقوقية عاجلة
حملت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان السلطات المسؤولية الكاملة عن سلامة الطالب محمد وليد، محذرة من تدهور حالته الصحية في ظل استمرار الإهمال الطبي. وطالبت الشبكة بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه وتمكينه من تلقي العلاج في بيئة طبية مناسبة خارج السجن.

كما دعت الشبكة، الجهات القضائية إلى وقف تجديد الحبس الاحتياطي التعسفي وإعادة النظر في ملف القضية، وفتح تحقيق شفاف في واقعة الإخفاء القسري والانتهاكات التي تعرض لها خلال فترة احتجازه الأولى.

وطالبت الشبكة المقررين الخاصين بالأمم المتحدة المعنيين بالاعتقال التعسفي وبحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بالتدخل العاجل لإنقاذ حياة الشاب قبل أن تتحول قضيته إلى مأساة جديدة تُضاف إلى سجل الانتهاكات ضد السجناء في مصر.

https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/854516683596059?ref=embed_post