في مشهد جديد يعكس واقعًا مأساويًا يتكرر في مناطق مختلفة من مصر، شهد الساحل الشمالي خلال الأيام الماضية حملة هدم موسّعة استهدفت قرية ابن سينا 2 السياحية الملاصقة لمنتجع "مراسي" الشهير، وسط صدمة وغضب واسع بين الأهالي الذين اتهموا الجيش و"جهاز مستقبل مصر" بالاستيلاء على أراضيهم دون تعويضات أو إجراءات قانونية عادلة.

 

آخر المستجدات: جرافات الجيش تهدم والمواطنون يُطردون

 

بدأت عمليات الهدم فجرًا وسط وجود أمني مكثف، حيث دخلت الجرافات التابعة للجيش إلى القرية وهدمت عشرات الوحدات السكنية والفيلات التي يملكها مواطنون منذ سنوات طويلة، فيما حاول الأهالي التصدي للآليات دون جدوى. وأكد عدد من سكان القرية أن القوات منعتهم من حتى إخراج متعلقاتهم الشخصية من المنازل قبل تسويتها بالأرض.

 

وقال أحد الملاك ويدعى م.ع. (أحد المتضررين) إنهم يمتلكون العقارات بعقود رسمية ومسجلة منذ التسعينيات، مضيفًا:

 

"ما حدث جريمة مكتملة الأركان.. لم نتلقَّ أي إنذار بالإزالة أو تعويض. استيقظنا على جرافات تقتحم منازلنا وكأننا نعيش في زمن الغزو لا في دولة قانون."

 

خلفية الأزمة: "مستقبل مصر" يتمدّد على حساب المواطنين

 

تأتي هذه الحملة ضمن توسّع "جهاز مستقبل مصر للتنمية" التابع للجيش، والذي يسيطر على مساحات ضخمة من الأراضي الممتدة من الضبعة إلى الساحل الشمالي الغربي تحت ذريعة التنمية الزراعية والاستثمارية. إلا أن العديد من الخبراء يرون أن الجهاز أصبح أداة جديدة للاستيلاء على الأراضي الخاصة وتحويلها إلى مشاريع استثمارية لصالح فئة محددة من الشركات والمستثمرين المقربين من السلطة.

 

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور هشام إبراهيم إن هذه الحوادث تكشف حجم التداخل الخطير بين السلطة العسكرية والاقتصادية، مضيفًا:

 

"ما يجري هو عملية إحلال قسرية للملكية الخاصة، حيث تُنزع الأراضي من المواطنين بحجة التنمية، ثم تُمنح لمستثمرين تابعين لمؤسسات عسكرية أو مقربين منها. هذا يضرب أساس العدالة الاجتماعية ويسيء إلى صورة الدولة أمام مواطنيها."

 

قرية ابن سينا.. من منتجع هادئ إلى منطقة عسكرية مغلقة

 

كانت قرية ابن سينا 2 واحدة من القرى السياحية الهادئة التي يرتادها المصريون من الطبقة المتوسطة والعليا خلال فصل الصيف. تقع على بعد أمتار قليلة من "مراسي" التي تعد أحد أفخم المنتجعات المملوكة لشركة إعمار الإماراتية، ما جعل موقعها الجغرافي مطمعًا للمشروعات الاستثمارية العملاقة التي تزحف يومًا بعد آخر على أراضي الساحل الشمالي.

 

ويرى مراقبون أن موقع القرية الملاصق لمراسي جعلها "لقمة سهلة" في فم المستثمرين، خاصة بعد أن توسع "جهاز مستقبل مصر" في مشروعاته العقارية هناك تحت ستار مشروعات وطنية.

 

انتهاك واضح للقانون والدستور

 

القانون المصري ينص بوضوح على أن نزع الملكية الخاصة لا يجوز إلا للمنفعة العامة وبموجب قرار رسمي وتعويض عادل مسبق. لكن ما حدث في قرية ابن سينا، بحسب شهادات الأهالي، جرى دون أي قرار منشور أو عرض تعويض مناسب، ما يجعل الأمر مخالفًا للدستور الذي يحمي حق الملكية ويمنع المساس به إلا في أضيق الحدود.

 

ويعلق أستاذ القانون الدستوري الدكتور أحمد فوزي على الواقعة قائلاً:

 

"ما يجري من هدم عشوائي دون سند قانوني أو حكم قضائي يمثل تجاوزًا خطيرًا على مبدأ سيادة القانون. الدولة التي تهدم منازل مواطنيها دون تعويض تُفقد نفسها شرعيتها الدستورية."

 

غضب شعبي وصمت رسمي

 

في الوقت الذي يتداول فيه رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو توثق عمليات الهدم وصراخ الأهالي، لم يصدر أي بيان رسمي من الحكومة أو من "جهاز مستقبل مصر" لتوضيح الموقف، مما زاد من حدة الغضب الشعبي والاتهامات للحكومة بالفساد والتواطؤ لصالح الكبار على حساب المواطنين البسطاء.

 

ويقول أحد سكان القرية عبر مقطع مصور:

 

"نعيش هنا منذ أكثر من 25 عامًا، دفعنا دم عمرنا في هذه البيوت، والآن يتم هدمها لأننا لا نملك نفوذًا أو واسطة. هذه ليست دولة، هذه غابة."

 

تساؤلات عن مستقبل الأراضي في مصر

 

تفتح هذه الواقعة الباب أمام تساؤلات أوسع عن مصير الملكيات الخاصة في ظل تمدد الأجهزة التابعة للجيش في كل قطاعات الاقتصاد، من الزراعة إلى السياحة والعقارات. فبينما تتحدث الحكومة عن "التنمية"، يرى كثيرون أن ما يحدث هو تجريف منظم لحقوق المواطنين وإعادة توزيع للثروة لصالح فئة محددة.

 

ويرى الخبير العمراني الدكتور عبد المنعم السيد أن مثل هذه السياسات ستؤدي إلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، موضحًا أن "الاستثمار الحقيقي لا يقوم على انتزاع الأراضي من أصحابها بالقوة، بل على التفاوض والشفافية واحترام الملكية الخاصة."

 

خاتمة: التنمية لا تُبنى على أنقاض المواطنين

 

في النهاية، تظل مأساة قرية ابن سينا 2 نموذجًا مصغرًا لما يحدث في مصر من توسّع غير محسوب للمؤسسات العسكرية في الاقتصاد المدني. التنمية لا يمكن أن تتحقق على حساب الناس ولا تُبنى على أنقاض منازلهم، بل عبر الحوار والمشاركة والاحترام المتبادل للحقوق.


فحين تصبح "التنمية" ذريعة للهدم والاستحواذ، فإنها تتحول من مشروع وطني إلى مشروع قهر وتهجير، وتُفقد الدولة آخر ما تبقّى من شرعيتها أمام مواطنيها.