أيدت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة الحكم النهائي على استبعاد النائب السابق هيثم الحريري، القيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، من سباق انتخابات مجلس النواب لعام 2025، وذلك بعد رفض طعنه المقدّم ضد قرار لجنة الفحص بالهيئة الوطنية للانتخابات.
وقد تم الاستناد في هذا الحكم إلى عدم تقديم الحريري ما يفيد أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها، وهو شرط أساسي في قانون الترشح للانتخابات. بينما أثار هذا القرار موجة من الغضب لدى العديد من القوى السياسية والشعبية، ليظل مشهد الانتخابات المقبلة في مصر مسرحًا للعديد من التساؤلات حول كيفية التعامل مع المعارضة وتطبيق الأنظمة الانتخابية.
استبعاد الحريري: تداعيات قانونية وسياسية
يعد قرار استبعاد هيثم الحريري من الانتخابات بمثابة قمة الجدل في السياسة المصرية، حيث تراه القوى السياسية المعارضة خطوة أخرى نحو إقصاء المعارضة عن المشاركة السياسية الفعّالة. وفقًا لقانون الخدمة العسكرية رقم 127 لسنة 1980، يُشترط على كل مرشح للانتخابات أن يثبت أداءه الخدمة العسكرية أو حصوله على إعفاء رسمي، وهو ما استندت إليه لجنة الفحص بالهيئة الوطنية للانتخابات في قرارها. وعلى الرغم من أن الحريري قدم شهادة إعفاء من أداء الخدمة العسكرية صادرة عن وزارة الدفاع، إلا أن الهيئة رفضتها باعتبارها غير كافية. ويُثار هنا تساؤل حول مدى قانونية القرار، ومدى استناده إلى مبررات قوية بعيدًا عن الاعتبارات السياسية.
إذ يُلاحظ أن رفض الهيئة الوطنية للانتخابات شهادة الإعفاء يُثير العديد من التساؤلات حول دور هذه الهيئة في التعامل مع مرشحي المعارضة. هل من الممكن أن يتم تفسير هذا القرار على أنه استبعاد ممنهج لأصوات المعارضة؟ وهل هذا النوع من الاستبعاد يعتبر قانونيًا بحتًا أم أنه جزء من خطة لإحكام السيطرة على المشهد الانتخابي في مصر؟
الحكومة والهيئة الوطنية للانتخابات: استبعاد متعمد للمعارضة؟
الحكومة، ممثلة في الهيئة الوطنية للانتخابات، تتحمل مسؤولية هذا الاستبعاد، الذي يعتبره كثيرون في المعارضة قرارًا مدبرًا يهدف إلى تقليل تأثير القوى السياسية المختلفة في الانتخابات المقبلة. ويعتقد العديد من المتابعين أن هذا القرار يأتي في إطار خطة ممنهجة لتقليص مشاركة الأحزاب اليسارية والمعارضة في الحياة السياسية. حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الذي ينتمي إليه الحريري، رفض هذا القرار، معتبرًا أن استبعاد قياداته من الانتخابات هو جزء من عملية إقصاء سياسي تؤثر سلبًا على التعددية السياسية في مصر.
وبالنظر إلى أن القرار يأتي في وقت حساس، حيث يقترب موعد الانتخابات البرلمانية لعام 2025، فإن كثيرًا من المراقبين يرون أن هذا القرار يعكس رغبة الحكومة في فرض المزيد من السيطرة على المشهد السياسي، بحيث تكون المشاركة مقتصرة على قوى سياسية موالية. كما أن التأثيرات السلبية لهذه السياسات تتضح في الحد من خيارات الناخبين وتقليص أصوات المعارضة التي تعكس التنوع السياسي في مصر.
إجراءات الطعن: هل هي مجرد إجراءات شكلية؟
لا يمكن تجاهل الإجراءات القضائية المتعلقة بقضية استبعاد الحريري. فقد رفضت لجنة الفحص أوراق ترشحه بسبب مسألة شهادة الإعفاء العسكري، بينما أكد المحامون أنه لا يوجد ما يمنع ترشحه قانونيًا. ورغم تقديم الحريري للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، فإن المحكمة أيدت القرار السابق، واعتبرت الحكم نهائيًا. وهذا يطرح تساؤلًا حول مصداقية النظام القضائي في التعامل مع القضايا المتعلقة بالانتخابات. هل باتت المحاكم مجرد أدوات لتمرير قرارات السلطة التنفيذية؟ وهل تملك المعارضة أي أمل في أن تكون العدالة متاحة لها من خلال النظام القضائي في مصر؟
أزمة التعددية السياسية: سيناريو المستقبل
تؤكد هذه الحوادث على الأزمة المستمرة في التعددية السياسية في مصر. استبعاد مرشحي المعارضة تحت أي ذريعة، مثلما حدث مع هيثم الحريري، يشير إلى أن التعددية السياسية في خطر. في حين أن الأحزاب الحاكمة قد تبرر ذلك بحجة تطبيق القوانين، إلا أن الاستمرار في هذا النهج يُعرض النظام السياسي في مصر لمزيد من التشكيك في نزاهته. الاستبعاد المستمر للقوى المعارضة يضيق نطاق المنافسة في الانتخابات ويخلق بيئة سياسية غير صحية.
حزب التحالف الشعبي: ضربة قوية للمشاركة الديمقراطية
حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الذي كان يسعى للمشاركة بقوة في الانتخابات، يجد نفسه اليوم في مواجهة ضربات قاسية جراء استبعاد قياداته. ففي وقت كانت فيه الأحزاب المعارضة تأمل في جذب الدعم الشعبي عبر مرشحين ذوي وزن سياسي، فإن القرار الذي استبعد الحريري قد يحد من قدرة الحزب على تقديم خيارات سياسية متنوعة. إذ أن الحزب يعكف الآن على وضع استراتيجيات قانونية لمواجهة الاستبعاد ومتابعة الطعون القانونية.
وفي الختام، يظل قرار استبعاد هيثم الحريري من انتخابات مجلس النواب 2025 مثالًا آخر على القيود المفروضة على التعددية السياسية في مصر. ويستدعي هذا الوضع الحاجة إلى مراجعة شاملة للقوانين الانتخابية والسماح لمشاركة أوسع من قوى المعارضة، بما يتماشى مع تطلعات المواطنين في تحقيق ديمقراطية حقيقية تضمن التعددية السياسية واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين.

