في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والمالية، رفضت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية العرض المقدم من شركة ساجاس للاستثمار الإماراتية للاستحواذ الكامل على أسهم شركة السويدي إليكتريك، مبررة قرارها بذرائع وصفتها الأوساط المتخصصة بأنها "شكلية"، ومؤشراً على تضييق متزايد على الاستثمارات الأجنبية في السوق المصري تحت ذريعة "الشفافية والحوكمة"، فيما يراه آخرون انعكاساً لتناقض السياسات الاقتصادية في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، حيث تُفتح الأبواب أمام رؤوس الأموال الموالية وتُغلق أمام أي طرف لا يسير في الخط الحكومي.

 

خلفيات القرار وملابساته

 

بررت الهيئة قرارها بأن شركة ساجاس حديثة التأسيس (منذ فبراير 2023) ولم تباشر نشاطاً تشغيلياً فعلياً، كما أن لها صلة بشركة إلكترا إنفستمنت هولدينج ريستركتد ليمتد التي تمتلك نحو 18.87% من أسهم السويدي إليكتريك، مما يثير ـ بحسب بيان الهيئة ـ "شبهة تعارض مصالح". غير أن خبراء يرون أن هذه المبررات لا تصمد أمام الفحص المهني، إذ أن السوق المصري نفسه يضم عشرات الكيانات الاستثمارية التي تأسست حديثاً وتعمل دون اعتراض، كما أن مسألة "تعارض المصالح" يمكن تسويتها تنظيمياً، ولا تستوجب رفضاً قاطعاً.

 

ويرى محللون أن القرار يحمل بُعداً سياسياً أكثر منه اقتصادياً، في ظل تشديد الحكومة المصرية قبضتها على مفاصل الاقتصاد عبر مؤسسات الدولة، وتحويل هيئة الرقابة المالية إلى أداة لتوجيه الاستثمارات نحو دوائر محددة مقربة من السلطة، بينما تُعاقب الشركات التي لا تتمتع بعلاقات سياسية متينة داخل القاهرة.

 

تأثير القرار محليًا

 

وجاء رفض الرقابة المالية لعرض الشركة الإماراتية على أسهم "السويدي إليكتريك" الأحد الماضي، سلبياً، حيث تراجع السهم بنسبة 0.12 بالمئة، مسجلاً 77.41 جنيه، "في تراجع محدود يعكس خيبة أمل قصيرة الأجل من رفض العرض، لكنه يُظهر ثقة المستثمرين في قوة الشركة الأساسية".

 

تناقضات في سياسة الاستثمار

 

اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي تُعرقل فيها السلطات المصرية صفقات استحواذ من شركات إماراتية. فقد سبقت "ساجاس" شركات مثل دراغون أويل وإعمار مصر وأرابتك القابضة، وكلها واجهت عراقيل بيروقراطية وقرارات تجميد بدعوى "ضمان الملاءة القانونية أو المالية"، قبل أن تتضح الخلفية السياسية أو المصالح المتشابكة وراءها.

 

وفي الوقت الذي يُروّج فيه النظام المصري لبيئة "جاذبة للاستثمار"، تأتي مثل هذه القرارات لتؤكد غياب الاتساق بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية، إذ تتحول البيروقراطية إلى أداة انتقائية لضبط السوق لصالح شبكات اقتصادية بعينها.

 

فبينما تُمنح امتيازات واسعة لرجال أعمال مقربين من السلطة أو لشركات خليجية ذات علاقات مباشرة بالنظام، تُواجه شركات أخرى بتعطيل أو رفض مبطن، في مشهد يعكس هشاشة الثقة بين المستثمرين والجهات التنظيمية.

 

تشدد يُخفي أزمة ثقة

 

تقول الهيئة إنها "تحمي السوق من تضارب المصالح وتدافع عن حقوق المساهمين الصغار"، غير أن الوقائع تشير إلى أن هذا "التشدد الرقابي" لا يُمارس إلا حين تكون الشركة الأجنبية غير محسوبة على الدائرة الضيقة من المستثمرين المفضلين. فلو كانت الصفقة لصالح أحد الصناديق السيادية الخليجية الكبرى المقربة من النظام، لتم تمريرها بسلاسة تحت شعار "تعزيز الشراكة الاستراتيجية".

 

ويشير مراقبون إلى أن رفض عرض "ساجاس" يُنذر بإشارات سلبية للمستثمرين الأجانب، ويزيد من عزوف رؤوس الأموال عن الدخول في مشاريع طويلة الأجل داخل مصر، خصوصاً في ظل أزمة الدولار وتدهور قيمة الجنيه، وغياب الرؤية الاقتصادية المستقرة.

 

الاستثمار في زمن التحكم السياسي

 

تتحرك الحكومة اليوم ضمن نمط اقتصادي مركزي يهدف للسيطرة الكاملة على مفاتيح الاقتصاد: من البنوك إلى شركات الطاقة، ومن المقاولات إلى التصنيع. القرار ضد "ساجاس" ليس سوى حلقة جديدة في هذا المسار، حيث تُستبعد الكيانات التي يصعب السيطرة عليها، وتُحتضن الشركات التي تضمن الولاء الكامل للنظام، بما يحوّل الاقتصاد إلى فضاء مغلق تتحكم فيه الدولة عبر واجهات من رجال الأعمال.

 

ويكشف هذا السلوك أن السلطة لا تزال تتعامل مع الاستثمار الأجنبي بعقلية "الأمن القومي"، وليس بمنطق المنافسة الاقتصادية، فكل صفقة تُفحص سياسياً قبل أن تُدرس اقتصادياً، ما أدى إلى تراجع ترتيب مصر في مؤشرات الشفافية وسهولة ممارسة الأعمال، رغم كل الحملات الإعلامية التي تروّج لعكس ذلك.

 

النتيجة: ثقة مفقودة وسوق مهددة

 

رغم محاولة الهيئة تصوير القرار كـ"إجراء رقابي لحماية السوق"، فإن الرسالة التي تصل للمستثمرين واضحة: مصر لم تعد بيئة يمكن التنبؤ بها. وبينما يواصل النظام التباهي بمشروعات "استراتيجية" تمولها ديون ضخمة، يجف الاستثمار الحقيقي الذي يخلق فرص عمل وينعش السوق.

 

لقد كان رفض صفقة "ساجاس – السويدي إليكتريك" أكثر من مجرد قرار مالي؛ إنه إعلان غير مباشر بأن الاستثمار في مصر لا يخضع لقواعد السوق، بل لموازين السلطة. وفي ظل هذا المناخ المربك، تبقى ثقة المستثمرين رهينة نزوات الأجهزة التنفيذية ومزاج السلطة السياسية، فيما تتراجع البلاد خطوة أخرى نحو مزيد من الانغلاق الاقتصادي والعزلة الاستثمارية.