لم يعد حزب النور كما كان يُروّج لنفسه في بداياته “صوتاً إسلامياً رشيداً يسعى لاستقرار الدولة والمجتمع”، بل أصبح اليوم نموذجاً صارخاً لحزب ديني فقد هويته ومصداقيته، وتحول إلى أداة بيد السلطة، يستخدم الخطاب الديني لتبرير سياسات النظام العسكري، ويشارك في مشهد سياسي مفرغ من أي مضمون حقيقي.
سقوط مدوٍ بعد تواطؤ طويل
يدّعي الحزب بقيادة سامح بسيوني أنه يتبع سياسة “رشيدة ومتزنة”، لكنه في الواقع يتبع سياسة الانبطاح والانصياع للسلطة. فمنذ انقلاب 2013، التزم الحزب الصمت بل التبرير، ولم يصدر عنه أي موقف شجاع يرفض قمع الحريات أو الاعتقالات أو التعديلات الدستورية التي رسخت حكم الفرد. هذا الولاء الأعمى للعسكر كلّفه شعبيته، فانهار حضوره الانتخابي حتى فقد كل مقاعده في مجلس الشيوخ ولم يحتفظ إلا بمقعدين رمزيين في مجلس النواب.
هذه الهزائم ليست صدفة، بل نتيجة طبيعية لحزب تخلى عن مبادئه مقابل بقائه في المشهد الشكلي، متقرباً من السلطة بقدر ما ابتعد عن الناس الذين كانوا يوماً قاعدته الصلبة.
حزب فقد الدين قبل أن يفقد السياسة
حزب النور، الذي كان يُفترض أن يمثل صوتاً للمبادئ الإسلامية في الحياة العامة، أصبح يستخدم الإسلام كديكور سياسي لتجميل صورة السلطة. فهو الحزب الذي دعم قرارات صندوق النقد الدولي، وبارك سياسات اقتصادية تزيد الفقر والبطالة، وصمت عن بيع أصول الدولة، مبرراً كل ذلك تحت شعار “المصلحة العامة”.
لكن أي مصلحة هذه التي تسحق الفقراء وتبرر الجوع باسم الدين؟
لقد تخلى الحزب عن أبسط قيم العدالة الإسلامية، وساهم بصمته في شرعنة القمع، وسمح بتحويل الدين إلى أداة دعائية في يد النظام. لم يعد الحزب يمثل الإسلام السياسي، بل إسلام السلطة؛ يطيع الأوامر، يجمّل السياسات، ويهاجم المعارضين بدل أن يدافع عن المظلومين.
انفصال عن الشباب وقواعده الأصلية
حتى داخل التيار السلفي، يتعرض الحزب اليوم لسخط واسع واحتقار سياسي متزايد. فالشباب الذين كانوا يوماً عماده التنظيمي باتوا يرونه حزباً من الماضي، خان المبادئ التي تربوا عليها، واختار البقاء في منطقة رمادية لا هو مع المعارضة ولا مع الشعب، بل خاضع لنظام لا يحترمه.
يتهمه هؤلاء الشباب بأنه تخلى عن فكرة الإصلاح الحقيقي، وتحول إلى أداة تجميل سياسي لنظام يقمع الحريات ويغلق المجال العام. لم يعد “النور” منيراً، بل أطفأ ضوءه بيديه.
العزلة السياسية والانهيار الداخلي
على الصعيد البرلماني، لم يعد للحزب أي وزن أو تأثير حقيقي. فبعد فقدانه الكامل لمقاعد مجلس الشيوخ، وانكماش تمثيله النيابي إلى مقعدين فقط، صار الحزب أقرب إلى كيان إداري يعيش على هامش الحياة السياسية. مواقفه المتأرجحة وتحالفه الدائم مع السلطة أفقداه ثقة الجماهير وخصومه على حد سواء.
حتى داخلياً، تعاني قياداته من انقسامات وصراعات صامتة بين جناح موالٍ للعسكر وجناح آخر يطالب بالعودة إلى العمل الدعوي والاجتماعي، لكن صوت القيادة الخانعة يغلب دوماً.
وأخيرا فقد فقد حزب النور كل ما كان يميّزه: مبادئه، جمهوره، واحترامه. صار حزباً بلا روح ولا مشروع، يعيش في ظل النظام العسكري ويقتات على فتات المشهد السياسي. من حزب كان يرفع شعار “نصرة الشريعة”، إلى حزب يبرر كل مخالفة شرعية باسم “الاستقرار”.
إن التجربة السياسية لحزب النور اليوم تمثل دليلاً على فشل النموذج الذي يخلط بين الدين والانتهازية، وحين يفقد الحزب مبدئيته يصبح بلا وزن ولا مستقبل. حزب النور لم يعد “حزباً إسلامياً”، بل حزباً سلطوياً بوجه ديني، انتهت رسالته حين اختار الصمت على الباطل والرضا بالهامش.

