حين يطلق النظام العسكري في مصر مشروعًا إعلاميًا جديدًا، فاعلم أن “الوجه المدني” قد تغيّر، لكن الصوت باقٍ كما هو: صوت السلطة، وتحت شعار “إعلام متوازن وموثوق”، أعلنت المذيعة قصواء الخلاّني عن تدشين موقعها الجديد “إيجيبتك” (EgyptKE)، لكنها نسيت أن تخبر الجمهور أن المشروع ليس سوى إصدار جديد من الصحافة العسكرية بوجه أنثوي لامع، جزء من ماكينة واحدة هدفها الترويج للنظام وتلميع صورته داخل وخارج البلاد.


منبر جديد.. نفس الصوت القديم


الحديث عن “إيجيبتك” كموقع حر ومستقل هو نكتة سمجة يعرفها كل من عمل في الوسط الإعلامي المصري. فالمنصة وُلدت بتمويل ودعم غير مباشر من الأجهزة الأمنية، وبإشراف إعلاميين معروفين بولائهم الكامل للسلطة.


أما “الكاتب أحمد رفعت” الذي عُيّن رئيسًا للتحرير، فليس سوى واجهة تقليدية من جيل كتبة البيانات العسكرية الذين تمرر عبر أقلامهم رسائل المؤسسة الأمنية تحت ستار “التحليل الوطني”.


قصواء الخلاّني.. المشروع الشخصي للمؤسسة


منذ سنوات تتقدّم قصواء كوجه مفضل في الإعلام الرسمي. مذيعة محسوبة على “التيار الهادئ” للنظام، تلعب دور الصحفية المثقفة التي تهاجم الشائعات وتدافع عن الجيش بحرفية ناعمة.


لكن خلف هذا الهدوء، هناك شبكة مصالح واضحة: دعم أمني، مساحات إعلامية جاهزة، وصفقات إنتاج تظهر فجأة. ليست صدفة أن تكون زوجة ضابط أمن برتبة عقيد. فالعلاقة بين الإعلام والجيش لم تعد “تعاونًا وطنيًا”، بل زواجًا معلنًا تُدار فيه الكاميرات من داخل مكاتب المخابرات نفسها.


إعلام العسكر.. حين يتحول “الخبر” إلى أمر عسكري


في زمن السيسي، لم يعد الإعلام وسيلة لنقل الحقيقة بل ذراعًا من أذرع القيادة العامة. كل ما يخرج من الشاشات أو المواقع الكبرى يمر أولًا عبر “غرفة التنسيق” التابعة للجهات السيادية.


موقع “إيجيبتك” ليس استثناءً، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المنابر التي تُزيَّن بالشعارات المدنية بينما تدار بالعقلية العسكرية نفسها: لا نقد، لا مساءلة، ولا مساحة لرأي مخالف.


من “الصحافة المستقلة” إلى “البيان العسكري اليومي”


من يتابع محتوى قصواء وبرامجها يعرف أن اللغة موحدة: “تحيا مصر”، “الجيش حامي الوطن”، “الإعلام الوطني ضد الإشاعات”، فهذه ليست شعارات مهنية، بل تعليمات تحريرية.


وكل فقرة وكل عنوان يهدف إلى ترسيخ الرواية الرسمية: “لا فساد، لا فشل، فقط مؤامرات خارجية وشعب صبور.”


في المقابل، تُمنع أي مادة تتناول قضايا الفقر، القمع، أو فساد الأجهزة. لأن الإعلام في دولة العسكر لا يملك حق السؤال، بل فقط واجب التطبيل.


“إيجيبتك”.. اسم أجنبي لرسالة قديمة


حتى اسم المنصة “EgyptKE” يبدو لامعًا وعالميًا، لكنه في الحقيقة إعادة تغليف لمنتج مكرر: موقع جديد بنفس اللغة القديمة. تحديث شكلي لمنظومة فاشلة تُدار من داخل مكاتب الأمن الوطني.


يُقال إن المشروع “طموح رقمي”، لكن الحقيقة أنه طموح سلطوي: السيطرة على الفضاء الإلكتروني بعد أن فقد النظام السيطرة على الشارع.


أخيرا ليست قصواء الخلاّني أول إعلامية تضع صوتها في خدمة الجنرالات، ولن تكون الأخيرة. فالإعلام في مصر اليوم لم يعد سلطة رابعة، بل فرعًا من جهاز العلاقات العامة للجيش.


يُقال إن “إيجيبتك” وُلد ليقدم “الإعلام المتوازن”... لكنه في الحقيقة ولد ميتًا، لأن كل منبر يُدار من خلف الزي العسكري لا يمكن أن ينتج إلا صدى واحدًا... صدى الأوامر.