أثار الإعلان عن إقالة المدرب البرتغالي نيلسون ربيرو من قيادة النادي الأهلي بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه المسؤولية، عاصفة من النقاشات في الشارع الرياضي المصري.
لم يكن القرار مفاجئًا، إذ جاء تتويجًا لغضب جماهيري واسع بسبب سوء النتائج وتدهور الأداء، ما دفع إدارة النادي إلى الرضوخ لصوت المشجعين الذين لم يقبلوا استمرار الفشل، حتى ولو لشهور قليلة.
لكن هذه الحكاية الرياضية البسيطة تفتح الباب أمام سؤال أكبر وأكثر خطورة: لماذا ينجح جمهور الأهلي في إزاحة مدرب فاشل بسرعة، بينما يبقى المسؤولون الفاسدون والفاشلون في الدولة لعقود كاملة دون محاسبة، رغم أن فشلهم يمس حياة الملايين وليس نتائج مباريات كرة القدم؟
الأهلي والجماهير.. درس في الضغط الشعبي
جماهير الأهلي عُرفت تاريخيًا بأنها "صاحبة الكلمة الأخيرة" في قرارات النادي.
صحيح أن الإدارة هي التي تُعلن التغييرات رسميًا، لكن الحقيقة أن أصوات المشجعين، سواء في المدرجات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كانت دائمًا حاسمة.
فخلال فترة قصيرة، اشتعلت الانتقادات ضد ربيرو، وتحوّلت إلى حملة ضغط شرسة على مجلس الإدارة.
والنتيجة: لم تحتمل الإدارة المزيد من الغضب الجماهيري، فأعلنت الإقالة فورًا. هنا يظهر بوضوح أن الضغط الشعبي المنظم قادر على فرض التغيير حتى على كيان ضخم مثل الأهلي.
مفارقة السياسة.. الفشل المستمر بلا حساب
لو نقلنا المشهد من عالم الكرة إلى واقع السياسة والاقتصاد في مصر، سنجد مفارقة مؤلمة.
فبينما يُطاح بمدرب فاشل بعد ثلاثة أشهر، يستمر وزير النقل كامل الوزير، مثلًا، في موقعه لسنوات رغم سجل كارثي من الحوادث المتكررة في القطارات، وإهدار مليارات الجنيهات في مشروعات تفتقر إلى التخطيط، وتفاقم معاناة الركاب يوميًا.
والأدهى أن بقاءه في المنصب لم يكن بفضل الكفاءة، بل بسبب غطاء سياسي من عبد الفتاح السيسي، الذي لا يتردد في الدفاع عنه مهما تزايدت الكوارث.
أما السيسي نفسه، فالمشهد أوضح.
فمنذ وصوله إلى الحكم قبل أكثر من عشر سنوات، يتوالى الفشل: اقتصاد ينهار، ديون تتضاعف، مشاريع وهمية تستنزف الموارد، وقمع للحريات يقضي على أي أمل في الإصلاح.
ومع ذلك، يستمر في الحكم بلا محاسبة أو مساءلة، وكأن الشعب الذي يُسقط مدربًا كرويًا في أشهر عاجز عن إزاحة من يدمّر حياته على مدى سنوات.
لماذا تنجح الجماهير في الرياضة وتفشل في السياسة؟
التفسير يكمن في عدة عوامل:
- غياب الحرية السياسية: في كرة القدم، لا أحد يمنع الجماهير من التعبير عن غضبها، بل أحيانًا يُستثمر ذلك لإرضائهم سريعًا. أما في السياسة، فالمعارضة الشعبية تُقابل بالقمع والسجون والاتهامات الجاهزة.
- قيمة النتائج المباشرة: فشل المدرب يظهر على الفور في الملعب عبر الهزائم، بينما فشل الحكومة يتوزع على تفاصيل الحياة اليومية في صورة أزمات معقدة قد لا يُربط دائمًا بينها وبين السلطة مباشرة.
- الخوف وغياب التنظيم: جماهير الكرة تتحرك في إطار واضح وكيان يجمعها (النادي)، بينما الجماهير السياسية تفتقر إلى التنظيم في ظل قمع الأحزاب وغياب مؤسسات ديمقراطية.
الدرس الذي لم يُستفد منه
قصة ربيرو تحمل درسًا بليغًا: حين يتوحّد الناس ويضغطون، فإن صوتهم يصبح أقوى من أي سلطة. ولو امتلك الشعب المصري نفس الجرأة التي أظهرها جمهور الأهلي، لكان من الممكن أن يُحاسَب كامل الوزير على كوارثه، ولما استمر السيسي في فرض مشاريعه الفاشلة التي أهدرت مئات المليارات من الدولارات بلا عائد.
وأخيرا إقالة مدرب الأهلي لم تكن مجرد قرار رياضي، بل مثال حيّ على قوة الضغط الشعبي حين يُمارس بلا خوف. الفرق الوحيد أن مشجعي الأهلي آمنوا بأن لهم الحق في التغيير فحصلوا عليه، بينما الشعب المصري في السياسة ما زال مكبّلًا بالخوف والقمع وفقدان الثقة. السؤال الذي يظل معلقًا: متى يقرر المصريون أن حياتهم اليومية أهم من نتائج المباريات، وأن من يُفشل مستقبل أمة يستحق الرحيل أكثر ممن يُفشل فريق كرة؟