عاد ملف الدين الخارجي لمصر إلى الواجهة من جديد، بعدما كشف وزير المالية أحمد كجوك عن أن أجهزة الموازنة العامة للدولة نجحت خلال العامين الماضيين في سداد ما يفوق حجم ما اقترضته، مؤكدًا أن المديونية انخفضت بمقدار 4 مليارات دولار.
لكن ورغم هذه التصريحات الرسمية المتفائلة، تكشف بيانات البنك المركزي صورة مختلفة، تعكس استمرار الدين الخارجي في تسجيل معدلات مرتفعة خلال الفترات الأخيرة، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول آليات الإدارة المالية، ودرجة اتساق الأرقام الحكومية، ومدى انعكاسها الفعلي على حياة المواطن المصري واقتصاد الدولة.
تصريحات وزير المالية: استراتيجية للخفض وإعادة الهيكلة
قال الوزير، خلال مؤتمر صحفي لاستعراض الأداء المالي للعام الماضي، إن حجم الدين الخارجي لأجهزة الموازنة تراجع بنحو مليار دولار خلال العام الماضي فقط، مشددًا على أن الدولة تواصل العمل وفق خطة ممنهجة لخفض الدين الخارجي بمعدل يتراوح بين مليار إلى ملياري دولار سنويًا.
وأضاف أن الحكومة وضعت سقفًا سنويًا لدينها بما يعزز مبادئ الحوكمة المالية، لافتًا إلى أن أي إيرادات استثنائية يتم توجيهها مباشرة نحو تقليص المديونية مقابل الناتج المحلي.
كما أشار إلى أن الاستراتيجية المعتمدة تقوم على تنويع أدوات وأسواق التمويل، وإطالة آجال الاستحقاق، مع تقليل الاعتماد على التمويل قصير الأجل وتحويل جزء من الديون إلى استثمارات تنموية ذات عائد اقتصادي مستدام.
بيانات البنك المركزي: أرقام تكشف مسارًا مغايرًا
ورغم هذا التوجه الرسمي، تؤكد بيانات البنك المركزي المصري أن الدين الخارجي بلغ 168 مليار دولار بنهاية 2023.
ورغم أن تدفقات صفقة “رأس الحكمة” الاستثمارية البالغة 35 مليار دولار ساهمت في خفض الدين بنحو 15 مليار دولار خلال النصف الأول من 2024، ليصل إلى 152.8 مليار دولار، فإن الأرقام عادت لتسجل ارتفاعًا لاحقًا، حيث بلغت 155 مليار دولار في ديسمبر من العام نفسه.
كما ارتفعت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 38.8% إلى 42.9%، ما يعكس أن الزيادة ليست في الحجم المطلق فقط، بل في الوزن النسبي للاقتصاد الوطني أيضًا.
تضارب الأرقام وتوقعات المؤسسات الدولية
اللافت أن بيانات وزارة التخطيط، الصادرة في مارس الماضي، أظهرت زيادة جديدة في الدين الخارجي بمقدار 1.6 مليار دولار ليصل إلى 156.7 مليار دولار.
أما صندوق النقد الدولي فقد رسم توقعات أكثر تشاؤمًا، إذ قدر أن يرتفع الدين الخارجي إلى 162 مليار دولار بنهاية يونيو 2024، على أن يقفز إلى 180.6 مليار دولار بحلول يونيو 2025، أي في غضون أقل من عام مالي واحد.
قراءة في المشهد الاقتصادي
هذا التضارب بين الأرقام الرسمية والتقارير الدولية يطرح تساؤلات جوهرية حول دقة البيانات المعلنة، وأسلوب حساب الدين الخارجي، وما إذا كان يتم استبعاد أو إضافة فئات معينة من الالتزامات الحكومية.
ويرى خبراء أن تصريحات وزارة المالية تعكس جانبًا من إدارة الدين الحكومي المباشر، بينما بيانات البنك المركزي تشمل الصورة الكاملة للدين الخارجي، بما في ذلك التزامات القطاع الخاص والبنوك. وهذا يفسر جزئيًا التباين بين الخطابين.
انعكاسات مباشرة على المواطن
ورغم أن هذه الأرقام تبدو فنية، فإن تأثيرها يصل مباشرة إلى المواطن البسيط. فارتفاع أعباء خدمة الدين (الأقساط والفوائد) يعني تقليص المساحة المتاحة للإنفاق على الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والدعم، كما أنه يضع ضغطًا على سعر العملة المحلية ويرفع من تكلفة الاستيراد وبالتالي أسعار السلع الأساسية.